قوله تعالى : (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ؛) الخضر : جمع أخضر ، وهو أحسن ما يكون من الثّياب ، والسّندس : الدّيباج الرقيق الفاخر ، وقيل : هو الحرير ؛ وواحد السّندس سندسة ، والاستبرق الدّيباج الغليظ الذي له بريق.
قوله تعالى : (مُتَّكِئِينَ فِيها ؛) أي في الجنان ؛ (عَلَى الْأَرائِكِ ؛) أي على السّرر في الحجال وهي من ذهب مكلّل بالدّرّ والياقوت ؛ (نِعْمَ الثَّوابُ ؛) جزاء أعمالهم ؛ (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١) ؛ أي متّكأ.
قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) (٣٢) ؛ الآية ، هذا مثل ضربه الله لعباده ؛ ليستدعيهم إلى طاعته ، ويزجرهم عن كفران نعمته ، والمعنى : واضرب لهم مثلا رجلين.
قال ابن عبّاس : (كانوا أخوين في بني إسرائيل ؛ توفّي أبوهما وترك ثمانية آلاف دينار ، وكان أحدهما مسلما والآخر كافرا ، وأصاب كلّ واحد منهما أربعة آلاف دينار ، فالمسلم أنفقها في سبيل حتّى أنفدها فأوجب الله له الجنّة ، والكافر اشترى بها بساتين ، فاحتاج المسلم إليه فأتاه يتعرّض إليه. فقال له : أين مالك؟ فقال له : أنفقته في سبيل الله ، فقال له الكافر : لا أعطيك حتّى تتّبع ديني ، ثمّ أخذ بيد أخيه فأدخله بساتينه ، وجعل يطوف به فيها ويقول له : ما أظنّ أن تبيد هذه أبدا ، فذلك قوله تعالى (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ) أي جعل للكافر منهما بساتين من كروم ، وجعل حول البساتين نخيلا وجعلنا بين البساتين زرعا ؛ أي يزرعه (١).
قوله تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً ؛) أي كلا البساتين أخرجت ثمرها ولم تنقص منه شيئا كأن ما أن يذهب صنف من الثمار إلّا أثمر صنف آخر ، وإنّما قال : آتت ؛ ولم يقل آتتا ؛ لأن المعنى أعطت كلّ واحدة من الجنّتين ، ولفظ كلتا واحدة ؛ لأن الألف في كلتا ليست ألف تثنية ، كأنه قال : كلّ واحدة منهما آتت أكلها.
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ٣٣٩ و ٤٠٠. وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ٩٠ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن عطاء).