إلى نفسي ، تقرّبني من الشّرّ وتباعدني من الخير ، وإنّي لا أثق إلّا برحمتك ، فاجعله لي عهدا توفّينه يوم القيامة ، إنّك لا تخلف الميعاد. فإذا قال ذلك طبع الله عليه بطابع ووضع تحت العرش ، فإذا كان يوم القيامة ، نادى مناد : أين الّذين لهم عند الله عهد فيدخلون الجنّة](١).
قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) (٨٩) ؛ أي قال المشركون : الملائكة بنات الله ، وقالت النّصارى : المسيح ابن الله ، وقالت اليهود : عزيز ابن الله. يقال لهم : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) أي منكرا عظيما.
قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ؛) أي يتشقّقن من عظم هذا القول ، (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ؛) فتصّدّع ، (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (٩٠) ؛ أي يسقط بعضها على بعض بشدّة صوت ، بأن سمّوا ، (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١ وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٩٢) ؛ قرأ أهل الحجاز والكسائي : (يَتَفَطَّرْنَ) بالتاء مشدّدة ، وقرأ نافع (يكاد) بالياء لتقدّم الفعل. قال المفسرون : اتخذ الرحمن ولدا ، اقشعرّت الأرض ، وغضبت الملائكة ، وأسعرت جهنم ، وفزعت السموات والأرض والجبال.
قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (٩٣) أي ما من أحد في السّموات والأرض إلّا سيأتي الرحمن مقرّا بالعبودية ، ويأتيه يوم القيامة عبدا ذليلا. يعني أن الخلق كلّهم عبيده ، وأن عيسى والعزير من جملة العبيد.
قوله تعالى : (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) (٩٤) ؛ أي لقد علم عددهم وأفعالهم ، ولا يخفى عليه شيء منهم مع كثرتهم. قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) ؛ لا أنصار لهم ولا أعوان ولا مال ولا ولد ، كلّ امريء مشغول بنفسه لا يهمّه غيره.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الكبير : الحديث (٨٩١٨). والحاكم في المستدرك : كتاب تفسير القرآن : باب تفسير آية (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) : الحديث (٣٤٧٨) ؛ وقال : هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفي مجمع الزوائد : ج ١٠ ص ٨٤ ؛ قال الهيثمي : (فيه المسعودي وهو ثقة ولكنه قد اختلط وبقية رجاله ثقات).