قوله تعالى : (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما ؛) أي معكما بالبصيرة والعون ، (أَسْمَعُ ؛) ما يردّ عليكما ، (وَأَرى) (٤٦) ؛ ما يصنعه بكما ، وقيل : معناه : أسمع دعاءكما فأجيبه ، وأرى ما يريد بكما فأمنعه ، ولست بغافل عنكما ، فلا تهتمّا ، (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ ؛) أرسلنا إليك ، (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ ؛) أي أطلقهم من اعتقالك ، ولا تتعبهم بالأعمال الشّاقة ، (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ؛) أي بعلامة من ربك وهي اليد والعصا ، وهما أوّل آية ، وقيل : اليد خاصّة.
وكان فرعون قد أتعب بني إسرائيل بالأعمال الشّاقة ، مثل اللّبن والطين والبناء ، وما لا يقدرون عليه. فلمّا قال موسى : قد جئناك بآية من ربك ، قال : ما هي؟ فأدخل يده في جيب قميصه ثم أخرجها ، فإذا هي بيضاء لها شعاع غلب نور الشمس ، ولم يره العصا إلّا بعد ذلك يوم الزّينة.
قوله تعالى : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) (٤٧) ؛ ليس هو بتحيّة لفرعون ولكن معناه : أن من اتّبع الهدى سلم من عذاب الله بدليل أنه عقّبه بقوله تعالى : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٤٨) ؛ أي إنّما يعذّب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه ، فأمّا من اتّبعه فإنه يسلم.
قوله تعالى : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (٤٩) ؛ أي من إلهكما الذي أرسلكما ، (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ؛) أي ربّنا الذي خلق كلّ شيء على الهيأة التي ينتفع بها ، فأعطاه صحّته وسلامته وركّب فيه شهوته ، ثم هداه لمعيشته. وقيل : معناه : الذي صوّر كلّ جنس من الحيوان على صورة أخرى ، فلم يجعل خلق الإنسان كخلق البهائم ، ولا خلق البهائم كخلق الإنسان ، ولكن خلق كلّ شيء فقدّره تقديرا.
وقال الضحّاك : ((أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ؛ يعني لليد البطش ، وللرّجل المشي ، وللّسان النّطق ، وللعين النّظر ، وللأذن السّمع) (١). وقال سعيد بن جبير : (أعطى كلّ
__________________
(١) ينظر : معالم التنزيل للبغوي : ص ٨٢٠.