قوله تعالى : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (٥٩) ؛ أي ضحى ذلك اليوم ، وأراد بالناس أهل مصر ، ومعنى يحشرون أي يجتمعون إلى العيد ، وإنّما جعل موسى موعدهم نهارا في يوم اجتماعهم ؛ ليكون أبلغ في الحجّة ، وأبعد من الرّيبة. قوله تعالى : (وَأَنْ يُحْشَرَ) يحتمل أن يكون في موضع رفع على معنى موعد كما حشر الناس وقت الضّحى يوم الزينة ، ويحتمل أن يكون في موضع خفض عطفا على الزينة ، المعنى يوم الزينة ، ويوم حشر الناس في وقت الضّحوة.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) (٦٠) ؛ أي فأعرض فرعون عن الحقّ والطاعة فجمع كيده ومكره ، وذلك جمعه السّحرة ثم أتى الموعد ، والمعنى : (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) اى سحرته ، قيل : كانوا أربعمائة ساحر ؛ و (قالَ لَهُمْ مُوسى ؛) للسحرة : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً ؛) أي لا تشركوا مع الله أحدا ، ولا تختلفوا عليه كذبا بتكذيبي ، (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ ؛) أي فيهلككم ويستأصلكم بعذاب من عنده ، (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) (٦١) ؛ أي وقد خاب من اختلق على الله كذبا. ومعنى قوله : (وَيْلَكُمْ) أي ألزمكم الويل. قرأ أهل الكوفة : (فَيُسْحِتَكُمْ) بضمّ التاء وكسر الحاء ، يقال : سحته الله وأسحته ؛ أي أهلكه.
قوله تعالى : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) (٦٢) ؛ أي فتشاورت السحرة فيما بينهم من فرعون في أمر موسى ، وأسرّوا المناجاة ، فقالوا : إن غلبنا موسى اتّبعناه وآمنّا به فهذا نجواهم.
قوله تعالى : (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ؛) أي قال الملأ من قوم فرعون : إنّ موسى وهارون لساحران ، (يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما ؛) من أرض مصر ، (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٦٣) ؛ أي بدينكم الأمثل ، وقيل : معناه : ويذهبا بأهل طريقتكم.
وأختلف القرّاء في قوله تعالى (إِنْ هذانِ) ، قرأ أبو عمرو (هذين) على اللغة المعروفة وهي لغة أهل الحجاز ، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي (هذانِ)