(فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها)(١) ، فانقلب العجل حيوانا يخور) أي وكان معلوما في ذلك الزمان أنّ من أخذ من حافر دابة ملك ، فألقاها على شيء صار ذلك الشيء حيوانا.
قالوا : وإنّما عرف أن راكب تلك الدّابة جبريل ؛ لأنّها كانت لا تضع حافرها على موضع إلّا اخضرّ. ويروى أن هارون مرّ بالسامريّ وهو يصنع العجل ، فقال له : ما تصنع؟ قال : أصنع ما ينفع ولا يضرّ ، ثم قال لهارون : ادع لي ، فقال : اللهمّ أعطه ما يسأل كما يحبّ ، فسأل الله أن يجعل للعجل خوارا ، فكان الخوار يخرج من ذلك الجسد المجسّد كما يخور الثور ، فأوهمهم السامريّ أنه حيّ فافتتن به قوم فعبدوه ، ولو رجعوا إلى عقولهم لعرفوا أنه لا يصلح أن يكون إلها ؛ لأنه مصنوع صنعة آدميّ مخلوق من حليّ مخلوقة (٢).
قوله تعالى : (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى ؛) أي قال لهم السامريّ ذلك ووافقه قوم على ذلك. قوله تعالى : (فَنَسِيَ) (٨٨) ؛ أي فنسي السامريّ الإسلام ؛ أي فتركه ، وقيل : معناه : قال السامريّ لمن وافقه على كفره : إن موسى أراد هذا العجل ، فترك الطريق الذي كان يصل إليه ؛ أي أن موسى ترك إلهه هنا ، وذهب يطلبه.
قوله تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ؛) أفلا يرى السامريّ وأصحابه (أنّه) يعني العجل لا يردّ إليهم جوابا ، (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) (٨٩) ؛ جرّ منفعة ولا دفع ضرّ شيء.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ؛) وذلك أن السامريّ لمّا دعاهم إلى عبادة العجل وقال لهم : إنّ هذا إلهنا وإله موسى ، وأن موسى معنيّ في طلبه ، وهو ههنا.
__________________
(١) طه / ٩٦.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (١٨٣٠٧ ـ ١٨٣٠٨).