قوله تعالى : (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) (٩) ؛ أي ثم أنجزنا وعد الأنبياء في إنجائنا إياهم ، وإهلاك الكفار المكذّبين بهم ، وأراد بالمسرفين الكفار ، لأن المسرف في اللغة هو الذي يتجاوز حدّ الحقّ بما تباعد عنه ، فالكافر أحقّ بهذه الصفة. قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُمْ) أي من العذاب (وَمَنْ نَشاءُ) يعني الذين صدّقوهم.
قوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ؛) أي لقد أنزلنا إليكم كتابا يا معشر قريش ، كتابا فيه شرفكم وعزّكم أن يمسكم به يعني القرآن ، والذّكر هو الشّرف ، قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)(١) أي شرف ، يقال : فلان مذكور في العلا ؛ إذا كان رفيعا. وقال الحسن : (معنى قوله تعالى (ذِكْرُكُمْ) أي ما تحتاجون إليه من أمر دينكم) (٢) ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠) ، ما فضّلكم به على غيركم ، أنزلتكم حرمي ، وبعثت فيكم نبيّا.
قوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) أي كم أهلكنا من أهل قرية كانوا مشركين ، والقصم : الكسر والدّقّ ، (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) (١١) ؛ أي وأحدثنا من بعد إهلاكهم قوما آخرين ، فسكنوا ديارهم.
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) (١٢) ؛ أي فلمّا أحسّ أهل القرية الكافرة عذابنا إذا هم منها يهربون سراعا هرب المنهزم من عدوّه. ومعنى قوله (أَحَسُّوا) أي رأوا ، وقيل : معناه : لمّا ذاقوا. والإحساس : هو الإدراك بحاسّة من الحواسّ الخمس.
قوله تعالى : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ ؛) أي قيل لهم : لا تركضوا وارجعوا إلى ما نعّمتم فيه وإلى منازلكم ، تقول الملائكة ذلك استهزاء بهم وتقريعا على ما فرّط منهم بحيث يسمعون النداء.
__________________
(١) الزخرف / ٤٤.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير : النص (١٣٦٠٧). وفي الدر المنثور : ج ٥ ص ٣١٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم).