قوله : (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ؛) أي قالت الأمم لرسلهم : هل أنتم إلّا آدميّون مثلنا لا فضل لكم علينا ، (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا ؛) تمنعونا ، (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ؛) من الأصنام ، (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١٠) ؛ فأتوا بحجّة واضحة بيّنة ، يعنون الآيات التي كانوا يقترحونها على أنبيائهم.
قوله تعالى : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ؛) كما قلتم ، (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ؛) كما أنعم علينا بأن أرسلنا ، (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ؛) ولا نملك الآيات التي تقترحون علينا ونحن بشر مثلكم. قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١) ظاهر المعنى.
قالت الكفار لهم : فتوكّلوا أنتم على الله حتى ترون ما يفعل بكم ، قالت الرّسل : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا ؛) أي حسبنا ، والهداية من الله هي الدلالة على الحقّ والرشد ، (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا ؛) على أذاكم ، (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢) ؛ والتوكّل هو التمسّك بطاعة الله مع الرّضا بقضائه وتدبيره.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا ؛) أي قالت الكفار لرسلهم : لا نساكنكم على مخالفتكم ديننا (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) وقد ذكرنا في قصّة شعيب ، (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ،) فأوحى الله إلى الرّسل : (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (١٣) ؛ أي الكفار ، (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ ؛) أرضهم وديارهم ، (مِنْ بَعْدِهِمْ ؛) من بعد هلاكهم ، وهذا نهاية ما في الإنعام ، فإن هذا جزاء من توكّل على الله ، (ذلِكَ ؛) جزاء ، (لِمَنْ خافَ مَقامِي ؛) مقام العباد عندي ، (وَخافَ وَعِيدِ) (١٤) ؛ وخاف وعيدي بالعقاب ولمن عصاني.
قوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (١٥) ؛ أي سألت الرّسل ربّهم أن يحكم بينهم وبين الكفار ؛ لأن الفتح ها هنا بمعنى الحكم ، يقال للحاكم : الفتّاح ، فلما فزعت الرسل إلى ربهم بانجاز الوعد ، فتح لهم ما طلبوه فخاب كلّ جبار عنيد.