فانقضّ إبليس سريعا فوجد أيوب ساجدا ، فأتاه من قبل الأرض في وجهه ، فنفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده ، فذهل وخرج به من قرنه إلى قدمه مثل ثآئيل (١) ووقعت عليه حكّة لا يملكها ، فحكّ بأظفار حتى سقطت كلّها ، ثم حكّها بالفخّار والحجارة ، فلم يزل يحكّها حتى نزل لحمه وتقطّع وتغيّر وانتنّ ، فأخرجه أهل القرية ، وجعلوه على كناسة ، واعتزله جميع الناس إلّا امرأته (رحمة بنت إفرائيم بن يوسف بن يعقوب) فإنّها كانت تتخلّف إليه بما يصلحه ويلزمه.
فلما طال عليه البلاء ، وتمادى عليه الضّرّ ، ورفضه جميع الناس حتى أهل دينه تركوه ولم يتركوا دينه ، فأقبل على الدّعاء متضرّعا ، وقال : إلهي ؛ لأيّ شيء خلقتني؟ ليتك لم تخلقني ، بل ليتني كنت حيضة ألقتني أمّي ، فلو كنت أمتّني كان أجمل بي ، إلهي أنا عبد ذليل ، إن أحسنت إليّ فالمنّ لك ، وإن عاقبتني فبيدك عقوبتي ، جعلتني للبلاء غرضا وللفتنة نصبا ، وقد وقع بي بلاء لو سلّطته على جبل أضعف عن حمله ، فكيف يحمله ضعفي؟
إلهي تقطّعت أصابعي فإنّي لا أقدر أحمل اللقمة بيدي ، إلهي تساقطت لهواتي ولحم رأسي ، وما يراد بي ، وسال دماغي من فمي ، وتساقط شعر عيني ، وكأنّما أحرق وجهي ، فحدقتاي متدلّيتان على وجهي ، وورم لساني حتى ملأ فمي فما أدخل فيه طعامي إلّا غصّها ، وورمت شفتاي حتى غطّت العليا أنفي ، وغطّت السّفلى ذقني ، وتقطّعت أمعائي في بطني. إلهي ذهبت قوّة رجلاي حتى لا أطيق حملها ، وذهب المال حتى صرت أسأل اللقمة من كنت أعوله فيمنّها عليّ ويعيّرني.
إلهي هلك أولادي ولم تبق منهم واحدا لإعانتي ونفعني ، إلهي قد ملّني أهلي وعفّني أرحامي وأنكرني معارفي ، وأعرض عني صديقي وهجرني أصحابي ، وجحدت حقوقي ونسيت صنائعي. أصرخ فلا أحد يصرخني ، وأعتذر فلا أحد يعذرني ، وأدعو فلا أحد يجيب. إن فضلك هو الذي أذلّني وأعماني ، وسلطانك هو الذي أسقمني
__________________
(١) الثآليل جمع ، واحدها : الثّؤلول. ينظر : مختار الصحاح : ص ٨١. وفي الكشف والبيان : ج ٦ ص ٢٩٠ نقله الثعلبي قال : (ثآليل مثل أليات الغنم).