فقال الله عزوجل : يا أيوب ؛ قد نفد فيك علمي ، وسبقت رحمتي غضبي ، إن أخطأت فقد غفرت لك ، ورددت عليك مالك وأهلك مثلهم معهم ؛ لتكون لمن خلفك آية ، وتكون عبرة لأهل البلاء وعبرة للصابرين ، اركض برجلك ، هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك فاركض برجلك ، فانفجرت له عين فدخل فيها فاغتسل منها ، فأذهب الله عنه كلّ ما كان به من البلاء.
فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه فلم تجده ، فقامت كالوالهة فوجدته جالسا عند العين فلم تعرفه ، فقالت له : يا عبد الله ؛ هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ها هنا؟ فقال : وهل تعرفينه؟ قالت : نعم ؛ وما لي لا أعرفه؟ فتبسّم فقال أنه هو ، فعرفته بمضحكه ، فاعتنقته) (١). قال ابن عبّاس : (فوا الّذي نفسي بيده ؛ ما فارقته من عناقه حتّى مرّ بهما كلّ مال لهما وولد) (٢).
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أقام أيّوب في بلائه ثمان عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد](٣) ، وقال الحسن : (مكث أيوب مطروحا على كناسة في مزبلة سبع سنين ، وكان مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله والثّناء عليه ، والصبر على بلائه.
فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب ، فلمّا اجتمعوا إليه قالوا له : ما أصابك؟ قال : أعياني هذا العبد الذي سألت الله أن يسلّطني عليه وعلى ماله وولده ، فلم أدع له مالا ولا ولدا ، فلم يزدد إلّا صبرا وثناء على الله ، ثم سلّطت على جسده فتركته جيفة ملقى على كناسة بني إسرائيل لا يقربه إلّا امرأته ، فاستغثت بكم لتقوّوني عليه.
__________________
(١) ينظر : جامع البيان : مج ١٠ ج ١٧ ص ٨٦.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٨٦٧٤).
(٣) أخرجه ابن حبان في السنن : الحديث (٢٨٩٨). والحاكم في المستدرك : كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء : باب ذكر بلاء أيوب : الحديث (١٤٧١) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفي مجمع الزوائد : ج ٨ ص ٢٠٨ ؛ قال الهيثمي : (رواه أبو يعلى والبزار ، ورجال البزار رجال الصحيح).