قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ؛) يعني يونس بن متّى أحبسه الله في بطن النّون ، وهو الحوت ، ومعنى الآية : واذكر ذا الحوت إذ ذهب مغاضبا لقومه. روي : أنه خرج من بينهم قبل أن يؤذن له في الخروج ، وكان خروجه من بينهم خطيئة ، وإنّما خرج منهم على تركهم الإيمان به ، هكذا روي عن ابن عبّاس والضحّاك.
وقيل : كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فعداهم ملك فسبى منهم خلقا كثيرا ، فأوحى الله إلى أشعيا النبيّ عليهالسلام : إذهب إلى الملك حزقيا فقل له : توّجه نبيّا قويا أمينا ، فإنّي ألقي في قلوب أولئك التخلية حتى يرسلوا معه بني إسرائيل ، فقال الملك : من ترى يرسل؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء ، فقال له : أرسل يونس فإنه قويّ أمين ، فأتى الملك يونس فأخبره أن يخرج ، فقال يونس : هل أمرك الله بإخراجي؟ قال : لا ، فقال : فهل سمّاني لك؟ قال : لا ، قال : فهنا أنبياء غيري أقوياء أمناء ، فألحّوا عليه فخرج مغاضبا للنبيّ والملك ولقومه.
فأتى بحر الرّوم ، فإذا سفينة مشحونة فركب مع أصحابها ، فلما صارت في لجّة البحر انكفأت حتى كادوا يغرقون ، فقال الملّاحون : ها هنا عبد آبق عاص ، فاقترعوا ، فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر ، لئن يغرق واحد منّا خير من أن تغرق السفينة بما فيها. فاقترعوا ثلاثا فوقعت القرعة كلّها على يونس ، فقال يونس : أنا الرجل العاصي والعبد الآبق ، وألقى نفسه في الماء. فجاء حوت فابتلعه ، ثم جاء حوت آخر أكبر منه فابتلع الحوت أيضا. فأوحى الله إلى الحوت لا تؤذي منه شعرة ، فإنّي قد جعلت بطنك سجنه ، ولم أجعله رزقا لك.
قوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ،) بالعقوبة ، يقال قدر الله الشيء وقدّره ؛ أي قضاه. وقيل : معناه : فظنّ أن لن نضيّق عليه السجن ، من قوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)(١) أي ضيّق ، وقوله (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ)(٢) ، وقد
__________________
(١) الطلاق / ٧.
(٢) الروم / ٣٧.