قوله تعالى : (قُلْ أَنْزَلَهُ ؛) أي قل لهم يا محمّد : أنزل القرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ،) لا يخفى عليه شيء فيهما ، (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً ؛) لمن تاب وآمن ، (رَحِيماً) (٦) ؛ لمن مات على التوبة.
قوله تعالى : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؛) أي قال المشركون على وجه الذمّ والتّعيير للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : ما لهذا الرسول يأكل مما يأكل الناس ، ويمشي في الطّرق كما نمشي لطلب المعيشة. والمعنى : أنه ليس بملك لأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ، والملوك لا يسبقون ، (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) (٧) ؛ يكون معه شريكا في النبوّة ، (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ ؛) ينتفع به ، (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها ؛) من ثمرها ، يعني بستانا يأكل من ثمره ، ومعنى قوله تعالى (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) أي ينزل عليه مال ينفعه ولا يحتاج إلى طلب المعاش. وقوله تعالى (يَأْكُلُ مِنْها) قرأ حمزة والكسائيّ وخلف بالنّون ؛ أي نأكل من جنّته.
قوله تعالى : (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٨) أي قال المشركون للمؤمنين : ما تتّبعون إلّا رجلا مخدوعا مغلوبا على عقله قد سحر وأزيل عنه الاستواء.
قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا) معناه : انظر يا محمّد كيف ضربوا لك الأمثال ، يعني : مثّلوه بالمسحور وبالمحتاج. وقيل : معناه : انظر كيف وصفوا لك الأشياء : إنك ساحر وكاهن وكذاب وشاعر ومجنون ، فضلّوا عن الصواب والهدى وأخطاؤا النسبة ، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٩) ؛ أي فلا يجدون طريقا إلى إلزام الحجّة ولا مخرجا لأنفسهم بإثبات العذر في ترك الإيمان به ، وذلك أنّهم جعلوا معذرتهم في ذلك أشياء ليست بعذر.
أما أكل الطّعام فإنه كان في الرّسل قبله ، فلم يكن ذلك عذرا في ترك الإيمان به ، ولو أنزل ملكا لكان يحتاج إلى أن ينزل من السّماء ويتردّد في الأرض لتبليغ