ومعنى الآية : تبارك وتعالى إن شاء يجعل لك خيرا مما قالوه في الدّنيا من جنات وقصور ، وإن شاء يجعل لك قصورا في الدّنيا ؛ أي لو شاء جعل لك أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا ، ويجعل لك جنات تجري من تحتها الأنهار يعني في الدّنيا ؛ لأنه قد شاء أن يعطيه في الآخرة.
وقوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) من قرأ بالجزم ، كان المعنى إن شاء جعل لك الجنات ويجعل لك قصورا في الدّنيا ، لأنه قد شاء ، وإنّما لم يجعل الحكمة التي أوجبت لك. قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم : (ويجعل) بالرفع على الاستئناف بمعنى : وسيجعل لك قصورا في الجنّة في الآخرة. والقصور : هي البيوت المشيّدة ، سمّي القصر قصرا ؛ لأنه قصر ومنع من الوصول إليه.
وعن ابن عبّاس أنه قال : (لمّا عيّر المشركون رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالفاقة فقالوا : ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق ، ويمشي في المعاش ، تعب (١) رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك ، فنزل جبريل عليهالسلام معزّيا له ، فقال له : يا رسول الله ؛ ربّك يقرؤك السّلام ويقول : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) لطلب المعاش في الدّنيا.
فبينما جبريل والنّبيّ صلىاللهعليهوسلم يتحدّثان إذ أقبل رضوان خازن الجنان فسلّم على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ومعه سفط من نور يتلألأ ، فقال : يا رسول الله ؛ ربّك يقرؤك السّلام ، ويقول لك : هذه مفاتيح خزائن الدّنيا مع أنّه لا ينقص حظّك في الآخرة جناح بعوضة ، فنظر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى جبريل مشيرا ، ثمّ قال : [يا رضوان ؛ لا حاجة لي فيها ، العفو أحبّ إليّ وأن أكون عبدا صابرا شكورا حامدا من السّماء] فرفع جبريل رأسه ، فإذا السّموات قد فتحت أبوابها إلى العرش ، فأوحى الله تعالى إلى جنّات عدن أن تدلي أغصانها ، فإذا غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء ، فقال جبريل : يا محمّد ارفع بصرك ، فرفع فرأى منازل الأنبياء قد فصل بها من دونهم ، وإذا بمناد : أرضيت يا محمّد؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : [قد رضيت]) (٢).
__________________
(١) في أسباب النزول للواحدي : ص ٢٢٤ : (حزن).
(٢) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ص ٢٢٤ ـ ٢٢٥.