وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ)(١) فقال الله تعالى : كان إعطاء الله للمؤمنين جنّة الخلد وعدا واجبا ، وذلك أم المسؤول واجب ، وإن لم يسأل كالدّين ، ونظيره قول العرب : أعطيتك ألفا وعدا مسؤولا ، يعني أنه واجب لك فسأله. وقيل : معنى الوعد المسؤول : أنّ الملائكة تسأل لهم ذلك ، يقولون (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ)(٢).
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ؛) يعني كفار مكّة وسائر المشركين ممّن كان يعبد غير الله ، يعني : الذين يعبدون الملائكة وعزيرا وعيسى والأصنام ، فيقول الله تعالى للكفار : لماذا (٣) عبدتم غيري؟ فيقولون : لأنّهم أمرونا بعبادتهم ، (فَيَقُولُ) الله تعالى للملائكة ولعيسى ولعزير على وجه التّنكيت والتقريع للكفار : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ ؛) حتى عبدوكم وأنتم أمرتموهم بعبادتكم ، (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) (١٧) ؛ وأخطأوا الطريق بهوى أنفسهم؟ ونظيره قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٤).
قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ ؛) أي قالوا تنزيها لك من أن نعبد غيرك ، وما ينبغي لنا ولعابدنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ، فكيف جاز لنا أن نأمرهم يعبدوننا دونك ، (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ ؛) ولكن طوّلت أعمارهم ووسّعت لهم في الرّزق وأمهلتهم في الكفر حتى غيّروا بذلك وتركوا التوحيد والطاعة ، ونسوا القرآن ، (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) (١٨) ؛ أي هلكى فاسدي القلوب. والبوار هو الهلاك ، والبائر الفاسد ، والأرض البائر هي التي عطّلت عن الزراعة. وقيل : معناه (وَكانُوا قَوْماً بُوراً) : أي هالكين فاسدين قد غلب عليهم الشّقاء والخذلان ، ومنه بوار السّلعة ، والإثم إذا كسد فسد.
__________________
(١) آل عمران / ١٩٤.
(٢) غافر / ٨.
(٣) في المخطوط : (لم ذا).
(٤) المائدة / ١١٦.