أسلم قبله أبى وقال : أسلم بعده فيكون له عليّ السابقة والفضل! فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام ، فذلك افتتان بعضهم ببعض ، وهذا قول الكلبيّ.
وقيل : الفتنة ها هنا هي العداوة التي كانت بينهم في الدّين ، وما كان المؤمنون يلقون من أذى الكفّار ، (ا تبصرون) ؛ أيّها المؤمنون على أذاهم حتى تصلوا إلى ثواب الصابرين ، فإنّ بعضهم لبعض فتنة ، يقول الفقير : لو شاء الله أغناني مثل فلان ، ويقول السّقيم : لو شاء الله أصحّني مثل فلان ، ويقول الأعمى : لو شاء الله أبصرني مثل فلان ، (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠) ؛ بالأغنياء والفقراء وغيرهم ، أغنى من أوجبت الحكمة غناه ، وأفقر من أوجبت الحكمة فقره.
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ؛) أي قال الّذين لا يخافون البعث بعد الموت : هلّا أنزل علينا الملائكة رسلا أو نرى ربّنا فيخبرنا بذلك (١) ، قال الله تعالى : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ؛) أي لقد تعظّموا في أنفسهم حيث سألوا من الآيات ما لم يسأله أحد قطّ ، (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١) ؛ حين قالوا (أَوْ نَرى رَبَّنا). والعتّو : مجاوزة الحدّ في الظّلم ، وقيل : العتوّ : أشدّ الكفر. والمعنى : وجاوزوا الحدّ مجاوزة شديدة.
قوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ؛) أعلم الله تعالى أنّ الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة ، وأنّ الله حرمهم البشرى في ذلك اليوم ، فقال (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) يعني يوم القيامة ، لا بشرى يومئذ للمشركين ؛ أي لا بشارة لهم بالجنّة والثواب ، (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢) ؛ أي يقول الملائكة : حراما محرّما أن يدخل الجنّة إلّا من قال : لا إله إلّا الله.
وقيل : يقول الملائكة للمجرمين : (حِجْراً مَحْجُوراً) أي حراما محرّما عليكم البشرى. وقيل : حرام عليكم الجنّة. وقيل : تقول الملائكة : حرّم عليكم سماع البشرى حراما محرّما ، وكانت العرب إذا أراد الرجل منهم أن يحرّم شيئا يطلب منه ؛ قال : حجرا محجورا ؛ ليعلم السائل بذلك أنه لا يريد أن يفعل. والحجر في اللغة : هو
__________________
(١) في المخطوط : (إنك) ، وضبطت كما في معالم التنزيل.