رجلا منّا. ومعنى الآية (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمّد إلى الأمم الماضية إلا رجالا أوحينا إليهم كما أوحينا إليك ، (فَسْئَلُوا ؛) يا أهل مكّة ، (أَهْلَ الذِّكْرِ ؛) أي الكتاب ، (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣) ؛ أنّ الرسل كانت من البشر.
قوله تعالى : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ ؛) راجع إلى قوله تعالى (نُوحِي إِلَيْهِمْ). وقيل : في هذا إضمار كأنه قال : وأرسلناهم بالبيّنات والزّبر. والبينات : هي الدلالات الواضحات ، والزّبر : جمع الزّبور وهو الكتاب. قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ؛) أي القرآن ، (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ؛) الحلال والحرام والحقّ والباطل ، (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ؛) (٤٤) فيه فيؤمنوا به.
قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ؛) قال ابن عبّاس : (يعني أهل مكّة عملوا السّيّئات ؛ يعني الشّرك) ، وقيل : معناه : أفأمن الذين مكروا في تكذيب الرّسل وأذى المسلمين أن يخسف الله بهم كما خسف بقارون ، (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ ؛) موضع ، (لا يَشْعُرُونَ) (٤٥) أي لا يعلمون ، (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ؛) أي في أسفارهم وتجارتهم وتصرّفهم ، (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٤٦) ؛ الله على ما يريد إحلاله بهم.
قوله تعالى : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ؛) أي على تنقّص إما بقتل أو بموت ؛ الأوّل فالأول حتى يهلكوا عن آخرهم ، روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : (ما كنت أدري ما معنى (عَلى تَخَوُّفٍ) حتّى سمعت قول الشّاعر :
تخوّف السّير منها تامكا قردا |
|
كما تخوّف عود النّبعة السّفن (١) |
وقال الحسن : (معناه : أن يخوّفهم بأن يهلك قرية لتنزجر قرية أخرى). وقوله تعالى : (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧) ؛ أي شديد الرّحمة بتأخير العذاب عن الكفّار ، أو شديد الرحمة على من تاب منهم.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) ؛ أي من شخص قائم من شجر أو إنسان أو نحو ذلك ، (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) ؛ أي
__________________
(١) اختلف في نسبته إلى قائله. والأثر أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١٦٣٣١).