هُونٍ ؛) أي أيحفظ المبشّر به على هون ومشقّة ، والهون : الهوان ، (أَمْ يَدُسُّهُ) أي يدفنه ، (فِي التُّرابِ ؛) حيّا كما كان في عادة العرب كان إذا ولد لأحدهم أنثى حفر لها حفرة وألقاها فيها ودفنها حتى تموت ، وهي الموءودة.
وأما لفظ التذكير في قوله (أَيُمْسِكُهُ عَلى) فإنه راجع إلى المبشّر به. قوله تعالى : (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٥٩) ؛ أي ألا ساء ما يقضون من اختيار البنين لأنفسهم ، وإضافة البنات إلى الله وقتل الموءودة.
قوله تعالى : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ؛) أي لهم صفة السّوء من احتياجهم إلى الولد ، وكراهيتهم الإناث خوف العار ، (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ؛) أي الصفة العليا وهي الألوهية والربوبيّة لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وقوله تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦٠) ؛ أي الغالب الذي لا يقدر أحد أن يغلبه ، الحكيم في أمره وتدبيره.
قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ؛) أي بعقاب معاصيهم عاجلا ، (ما تَرَكَ عَلَيْها ؛) أي على الأرض ، (مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ؛) أي يمهلهم ، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ؛) أي إلى وقت ضربه لامهالهم ، (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) ذلك الوقت ، (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٦١) ؛ لا يتقدّمون ساعة ولا يتأخّرون.
فإن قيل : كيف قال (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) مع علمنا أن في الناس من هو غير ظالم ، قيل : معناه : (ما ترك عليها من دابّة ظالمة). وقيل : معناه : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم عاجلا لا نقطع النسل ؛ لأنه لا أحد إلا وقد كان في آبائه وأجداده من هو ظالم.
فإن قيل : في الآية تعميم الناس والدواب في الهلاك ؛ فأيّ شيء يوجب هلاك الدواب؟ قيل : إن الدوابّ إنما خلقها الله لمنافع الناس ، فإذا هلكت الناس بمنع المطر عنهم ، لم يبق في الأرض دابّة إلا وهلكت ، وإذا هلك الناس بوجه من الوجوه لم تبق الدوابّ.