قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ ؛) لأنفسهم. في الآية إعادة ذكر جهل الكفّار أنّهم يجعلون لله ما يكرهون لأنفسهم وهو البنات ، (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ؛) مع ذلك ، (الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى ؛) أي أن لهم الجنّة في الآخرة. قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ ؛) أي حقّا ، وقيل : لا بدّ ولا محالة أن لهم النار ، (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٦٢) ؛ أي مقدّمون إلى النار ، والفارط في اللغة : هو القادم إلى الماء ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : [وأنا فرطكم على الحوض](١) أي سابقكم.
ومن قرأ (مفرطون) بكسر الراء ، فهم الذين أفرطوا في الذنوب والمعاصي ، ومن قرأ (مفرّطون) بالتشديد فهو من التّفريط وهو التقصير (٢).
قوله تعالى : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ؛) تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم أي كما أرسلناك إلى هؤلاء أرسلنا إلى أمم من قبلك ، فزيّن لهم الشيطان أعمالهم في الكفر والتكذيب ، (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ؛) في الدّنيا يتبعون إغواءه ، ويقال : (هو وليّهم يوم القيامة) أي يقال لهم يومئذ : هذا وليّكم ، فيكلكم الله يومئذ إلى من لا يملك دفع العذاب عن نفسه ، فكيف يدفع عنهم العذاب ، ومن كان الشيطان وليّه دخل النار ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣).
قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ؛) أي لتبيّن لهم الحقّ من الباطل ، وأنزلناه ، (وَهُدىً ،) دلالة ، (وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤) ؛ أي للمؤمنين. قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ؛) يعني المطر ، (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ؛) أي يبسها ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٥) ؛ أدلّة الله ، ويتفكّرون فيها.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٢ ص ١٦٨ : الحديث (١٦٨٨) عن عبد الملك بن عمير بن جندب رضي الله عنه. والإمام أحمد في المسند : ج ٤ ص ٣١٣. والبخاري في الصحيح : كتاب الرقاق : باب في الحوض : الحديث (٦٥٨٩). ومسلم في الصحيح : كتاب الفضائل : باب في إثبات حوض نبينا صلىاللهعليهوسلم : الحديث (٢٥ / ٢٢٨٩).
(٢) في إعراب القرآن : ج ٢ ص ٢٥٣ : قال النحاس : (المبالغون المتجاوزون في الشر). وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ١٠ ص ١٢١ ؛ قال القرطبي : (وقرأ أبو جعفر المقرئ : مفرّطون بكسر الراء وتشديدها ، أي مضيّعون أمر الله ، فهو من التفريط بالواجب).