الفرق بين الحياة الدّائمة والحياة الفانية لرغبوا في الباقي الدائم عن الفاني الزّائل ، ولكنّهم لا يعلمون.
قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛) يعني المشركين إذا ركبوا في السّفينة وهاجت الرياح واضطربت الأمواج ، وخافوا الغرق والهلاك ، (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي دعوا الله مفردين له بالدّعاء ، وتركوا شركاءهم وأصنامهم فلا يدعونهم لإنجائهم ، (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ؛) أي فلمّا خلّصهم من تلك الأهوال ، وأخرجهم إلى البرّ ؛ (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ ؛) أي عادوا إلى شركائهم لكي يكفروا بما أعطيناهم ، (وَلِيَتَمَتَّعُوا ؛) في كفرهم ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٦٦) ؛ جزاء فعلتهم. قال عكرمة : (كان أهل الجاهليّة إذا ركبوا في البحر حملوا معهم الأصنام ، فإذا اشتدّت بهم الرّيح ألقوا تلك الأصنام في البحر ، وصاحوا : يا الله يا الله).
وقيل : إنّ (اللام) في قوله (لِيَكْفُرُوا) لام الأمر ، ومعناها : التهديد والوعيد ، كقوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(١)(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)(٢) ، وكذلك عقّبه بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أي ألم ير كفار مكّة (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يعني مكّة ، ويسلب الناس من حولهم فيقتلون ويؤسرون وتؤخذ أموالهم ، وأهل مكّة آمنون من ذلك ، (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ ؛) أي فيقرّون ويصدّقون بالباطل وهي الأصنام بعد قيام الحجّة ، (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) ؛ أي بمحمّد والإسلام يجحدون. والتّخطّف : هو تناول الشيء بسرعة.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ؛) أي لا أجد أظلم ممّن زعم أنّ لله شريكا ، (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ ؛) يعني
__________________
(١) فصلت / ٤٠.
(٢) الإسراء / ٦٤. وفي المخطوط : (واستفززه من استطعت).