والملائكة التي أرسلت عليهم ، (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا ؛) أي لم يزل قويّا في ملكه ، (عَزِيزاً) (٢٥) ، في قدرته منيعا بالنّقمة من أعدائه.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ ؛) معناه : وأنزل الذين عاونوا المشركين من أهل الكتاب وهم بنو قريظة ، نقضوا العهد وأعانوا الأحزاب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزلهم الله من حصونهم مع شدّة شوكتهم ، وألقى في قلوبهم الرّعب. وذلك أنّ بني قريظة كانوا قد عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا ينصروا أعداءه عليه ، فلما رأوا الأحزاب وكثرتهم ظنّوا أنّهم يستأصلون المؤمنين ، فنقضوا العهد ولحقوا بهم.
فلمّا هزم الله المشركين ورجع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى بيته ، أراد أن ينزع لامته ، فسمع هسيسا ، فنظر فإذا جبريل عليهالسلام في درعه وسلاحه ، فقال له جبريل : أتنزع لامتك يا رسول الله والملائكة لم ينزعوا حتّى يقاتلوا بني قريظة ويصلّى فيهم العصر؟! فقال صلىاللهعليهوسلم : [وكيف لي بقتالهم وهم في حصونهم؟!] فقال جبريل : لألهمنّك ذلك ، فو الله لأدقّنّهم اليوم كما يدقّ البيض على الصّفا. فنادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الأصحاب ، فخرجوا إلى حصون بني قريظة ، فألقي الرّعب في قلوب القوم حتّى طلبوا الصّلح ، وأبوا إلّا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ.
وكان سعد قد أصابه سهم في أكحله في حرب الخندق ، فسأل الله أن يؤخّره إلى أن يرى قرّة عين النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فاستجاب الله دعاءه. فلمّا طلبت بنو قريظة النّزول على حكم سعد ، رضي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحمل سعد إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقد احتبس أكحله ، فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [احكم فيهم]. فقال : حكمت فيهم بأن يقتل مقاتلتهم ويسبى ذراريهم ونساؤهم وأموالهم. فقال صلىاللهعليهوسلم : [حكمت فيهم مثل ما حكم الله فيهم]. فلمّا قتلت مقاتلتهم وسبيت نساؤهم وذراريهم ، انفجر أكحل سعد فمات رحمهالله (١).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢١٦٨٨ ـ ٢١٦٩١) مطولا وفيه قصة.