وقرأ ابن السّميقع (الخيرة) بسكون الياء ، وهما لغتان. وإنّما جمع الضمير في قوله (لَهُمُ الْخِيَرَةُ) لأن المراد بقوله (لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) كلّ مؤمن ومؤمنة في الدّنيا.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ؛) أي فيما أمرته ، (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦) ؛ أي فقد أخطأ خطأ ، وذهب عن الحقّ والصواب ذهابا بيّنا.
فلما نزلت الآية قالت : قد رضيت يا رسول الله. وكذلك رضي أخوها ، فجعلت أمرها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من زيد وساق إليهما عليهالسلام عشرة مثاقيل وستّين درهما ؛ وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا ؛ وخمسين مدّا من طعام وثلاثين صاعا من تمر (١).
قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ؛) أي واذكر يا محمّد قولك (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام وغيره ، (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ؛) بالإعتاق ؛ وهو زيد ابن حارثة ؛ وقع بينه وبين امرأته زينب تشاجر ، فجاء زيد إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يشكوها بما كانت تستطيل عليه بشرفها.
فقال صلىاللهعليهوسلم لزيد على سبيل الأمر بالمعروف : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ؛) امرأتك ولا تطلّقها ، (وَاتَّقِ اللهَ ؛) فيها ولا تفعل في أمرها ما تأثم به. قوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ ؛) خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أضمر في نفسه أنّه إن طلّقها زيد ، تزوّجها هو وضمّها إلى نفسه صلة لرحمها وشفقة عليها ، فعاتبه الله على ذلك وإخفائه ؛ لكي لا يكون ظاهر الأنبياء عليهمالسلام إلّا كباطنهم.
وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعلم أنّهما لا يتّفقان لكثرة ما كان يجري بينهما من الخصومة ، فجعل يخفيه عن زيد ، وكان الأولى بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يدعوهما إلى الخلع فلم يفعل ، وقال له : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) خشية أنه لو خالعها ثم تزوّجها النبيّ عليهالسلام أن يطعن الناس عليه فيقال : تزوّج بحليلة ابنه بعد ما بيّن للناس أنّ حليلة الابن حرام على الأب ، فهذا معنى قوله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ) ؛ أي تخاف لائمتهم أن يقولوا :
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٠٤٢.