لأن همه (١) مقصور على الدنيا.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١))
(وَمِنْهُمْ) أي من المؤمنين (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) أي التوبة والمغفرة والعلم النافع والعمل الصالح (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) أي الجنة ، قيل : «الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء» (٢) ، تأنيث الأحور ، وجمعه حور (وَقِنا) أي ادفع عنا (عَذابَ النَّارِ) [٢٠١] وقيل : المرأة السوء (٣) ، وقيل : كل ما يبعد العبد عن الله (٤) ، لأنه سبب عذاب النار.
(أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢))
(أُولئِكَ) أي الداعون بالحسنتين (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) أي دعوا (٥) ، والدعاء كسب ، لأنه عمل من الأعمال المكتسبة لقوله «بما (كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ»)(٦) ، ثم حثهم على أعمال الخير وحذرهم بالموت ، لأن الجزاء والحساب انما يكون بعد الموت بقوله (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) [٢٠٢] أي بادروا إكثار الذكر وطلب الآخرة ، فانه عن قريب يقيم القيامة ويحاسب العباد أو هو سريع الحفظ من غير غلط ونسيان لعدم احتياجه إلى عقد يد أو وعي صدر أو فكر ، بل حسابه (٧) أسرع من لمح البصر ، وهذا يدل على كمال قدرته ووجوب الحذر منه ، روي : أنه تعالى يحاسب في قدر حلب شاة أو في لمحة (٨).
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣))
(وَاذْكُرُوا اللهَ) أي بالتكبير عقيب الصلوات وعند رمي الجمرات (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) أي معروفات بالحصر ، وهي أيام التشريق ، يعني أيام منى ، وأجري التأنيث بالجمع على لفظ «أيام» (٩) ، والقياس أيام معدودة ، وقابل الجمع بالجمع مجازا إذ لا يقال يوم معدودة ، وقيل : يجوز أن يراد باليوم الساعة لاشتمال الزمان عليهما فيصح النعت بالمؤنث (١٠) والأيام المعلومات العشر من ذي الحجة (١١) ، وقيل : هي أيام النحر (١٢) ، فالتكبير مشروع للحاج وغيره عقيب الصلوات في أيام التشريق وهو : الله أكبر ثلثا متوالية عند الشافعي ، واثنين عند غيره وتممامه : لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، لقوله عليهالسلام : «كبروا دبر كل صلوة من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق» (١٣).
(فَمَنْ تَعَجَّلَ) أي طلب الخروج من منى (فِي يَوْمَيْنِ) أي في اليوم الثاني بعد يوم النحر من أيام التشريق (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بتعجيله وترك الرمي في اليوم الثالث منها ، لأنه رخص له ذلك ، فعند أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز الخروج فيه قبل طلوع الفجر منه (وَمَنْ تَأَخَّرَ) عن الخروج حتى رمى في اليوم الثالث ثم يخرج إذا فرغ من رمي الجمار كما يفعل الناس الآن وهو مذهب الشافعي والإمامين (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بترك الترخص ، فالمعنى : أنهم مخيرون بين النفرين وإن كان التأخر (١٤) أفضل لجواز التخيير بين الفاضل والأفضل ، قيل : يجوز تقديم الرمي في
__________________
(١) همه ، دم : همهم ، ب.
(٢) عن علي رضي الله عنه ، انظر الكشاف ، ١ / ١٢١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٢٥٨.
(٣) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١٢١.
(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٥) دعوا ، ب م : ادعوا ، د ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٢١.
(٦) الشوري (٤٢) ٣٠.
(٧) حسابه ، ب د : حساب ، م.
(٨) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ١ / ١٢١.
(٩) «أيام» ، ب د : الأيام ، م.
(١٠) وهذه الأقوال منقولة عن الكشاف ، ١ / ١٢١.
(١١) نقله المفسر عن البغوي ، ١ / ٢٦٠.
(١٢) نقله المؤلف عن البغوي ، ١ / ٢٦٠.
(١٣) انظر السمرقندي ، ١ / ١٩٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(١٤) التأخر ، د م : المتأخر ، ب.