(يَقُولَ) وأريد به الحال ، وبنصب (يَقُولَ)(١) باضمار أن بعد (حَتَّى) بمعنى إلى أن يقول ، والمعنى على المضي لا على الاستقبال ، أي إلى غاية ، قال الرسول فيها (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) استبطاء للنصر الموعود لهم لا شكا (مَتى نَصْرُ اللهِ) الموعود فأجيبوا ، وقيل لهم (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) [٢١٤] أي غير متأخر عنكم ، قيل : «هذا في كل نبي بعث إلى أمته ، وأجهد فيه حتى قال : متى نصر الله؟» (٢) ووقع ذلك للرسول حين بلغ له ضجر شديد قبل فتح مكة فقال له في يوم الأحزاب حيث أصاب أصحابه شدة ولم يبق لهم صبر حتى ضجوا وطلبوا النصرة ، فأرسل الله ريحا وجنودا وهزم الكفار بهما.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥))
قوله (يَسْئَلُونَكَ) نزل حين حث النبي عليهالسلام على التصدق في سبيل الله وسأل عمرو بن الجموح وكان ذا مال فقال : يا رسول الله! كم ننفق (٣)؟ وما ذا ننفق (٤)؟ (٥) فقال تعالى : يسألونك (ما ذا يُنْفِقُونَ) أي أي شيء يتصدقونه من أموالهم (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ) أي ما تصدقتم (مِنْ خَيْرٍ) أي من مال (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وهذا الكلام جواب بما هو أهم وهو بيان المصرف بكل مال حلال ، لأن الصدقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها ، قيل : نسخت الآية بآية الزكوة (٦) ، وقيل : يجوز حملها على النفل ، فلا نسخ (٧) حينئذ ، لأن المراد بها البر على هؤلاء المذكورين (٨)(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) إذا كان من المال الحلال ، ف «من» للبيان (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) [٢١٥] فيجازيكم به لا محالة.
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢١٦))
قوله (كُتِبَ) أي فرض (عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) أي الجهاد للكفار ، نزل حين أمرهم الله بالجهاد وكرهوا الخروج لمشقته (٩) ، والواو في قوله (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) واو الحال ، أي القتال مكروه ، يعني شاق عليكم (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) أي الغزو (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأن فيه فتحا وغنيمة أو شهادة وجنة (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) وهو الجلوس عن الغزو (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) لأن فيه تسلط عدوكم عليكم وهلاككم (وَاللهُ يَعْلَمُ) مصالحكم دينا ودنيا (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [٢١٦] ما فيه صلاحكم لحبكم القعود عن الغزو.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧))
قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) نزل حين بعث النبي عليهالسلام عبد الله بن جحش مع تسعة رهط في آخر جمادي الأخرى قبل بدر بشهرين (١٠) ليترصد إلى عير قريش ، فيها عبد الله بن الحضرمي وثلثة معه ، فقتلوه ليلا وأسروا اثنين وفلت واحد ، فعيرهم المشركون ، وقالوا : قد استحل محمد الشهر الحرام ، وجاء عبد الله بن
__________________
(١) قرأ نافع برفع اللام ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٤٨.
(٢) قاله الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٠٠.
(٣) ننفق ، ب س : تنفق ، م.
(٤) ننفق ، ب س : ينفق ، م.
(٥) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٥٤ ـ ٥٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٠٠.
(٦) عن السدي ، انظر الكشاف ، ١ / ١٢٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٧٦.
(٧) فلا نسخ ، ب م : فلا تنسخ ، س.
(٨) أخذه المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٢٠١.
(٩) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٠١.
(١٠) بشهرين ، ب : شهرين ، س م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٠١ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٧٨.