جحش وأصحابه بالعير والأسيرين إلى النبي ، وقالوا : يا رسول الله! فعلنا هذا وما ندري أن تلك الليلة من جماذي الأخرى (١) أم كانت من رجب فوقف النبي عليهالسلام العير والأسيرين وامتنع عن أخذها ، فقال تعالى «يسئلونك عن القتال في الشهر الحرام» (٢) ، قوله (قِتالٍ فِيهِ) أبدل من الشهر بدل اشتمال لاشتمال الشهر على القتال (قُلْ قِتالٌ فِيهِ) أي في الشهر الحرام (كَبِيرٌ) أي إثم عظيم عند الله فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم البعير والأسيرين إلى قريش ، قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) مبتدأ وهو مع خبره الجملة عطف على جملة (قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) ، أي قل يا محمد للكفار تعييرا لهم منع الناس عن الإيمان بالله (وَكُفْرٌ بِهِ) عطف على (صَدٌّ) ، أي والشرك بالله ، وتعطف (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بالجر على سبيل الله ، أي ومنع المسلمين عن دخول مكة وزيارة بيت الله (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ) مبتدأ ، أي أهل المسجد ، يعني النبي ومن آمن به (مِنْهُ) أي من المسجد عطف على (صَدٌّ) ، وخبر المبتدأ (أَكْبَرُ) أي أعظم إثما (عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ) أي الشرك بالله (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أي من قتل بن الحضرمي ومن القتال في الشهر الحرام ، المعنى : قل للمشركين توبيخا لهم : أفعالكم من الصد والكفر وإخراج المسلمين من مكة أكبر إثما مما فعل بعض المسلمين من القتل ، والقتال في الشهر الحرام ، قوله (وَلا يَزالُونَ) أي الكفار (يُقاتِلُونَكُمْ) إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين ، أي هم لا ينفكون عن قتالكم أيها المؤمنون (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) أي يصرفوكم عن دين الإسلام إلى دينهم الكفر (إِنِ اسْتَطاعُوا) دينهم الإسلام بقوله (وَمَنْ يَرْتَدِدْ) شرط مبتدأ ، أي يرجع (مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) الإسلام إلى دينهم الكفر سرا و (٣) جهرا (فَيَمُتْ) بالجزم عطفا على «يرتد» (وَهُوَ كافِرٌ) أي وهو مرتد عن دينه بالكفر ، وخبر المبتدأ وجواب الشرط (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ) أي بطلت (أَعْمالُهُمْ) أي حسناتهم ، يعني لا ثواب لها ، لأن عبادتهم لم تصح (فِي الدُّنْيا وَ) لم يثابوا بها في (الْآخِرَةِ) وبه استدل الشافعي أن الردة لا تحبط (٤) العمل حتى يموت مرتدا ، وأبطلها أبو حنيفة رحمهالله بالردة وإن لم يمت ورجع مسلما (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٢١٧] أي مقيمون لا يخرجون عنها.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي فارقوا أهلهم ومنازلهم (وَجاهَدُوا) أي وحاربوا (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعة الله ، نزل ترغيبا للجمع بين هذه الخصال وإن كان الثواب حاصلا بكل واحدة منها ، نزل حين قال الكفار للمقاتلين من المسلمين في الشهر الحرام : لو لم يكن عليهم وزر فليس لهم أجر (٥) ، وخبر «إن» (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) أي ينالون الجنة برحمته ، لأن من طلب وجد وجد (وَاللهُ غَفُورٌ) لذنوبهم بقتالهم في الشهر الحرام (رَحِيمٌ) [٢١٨] بفضله الجنة لهم ، قيل نسخ تحريم القتال في الشهر الحرام بقوله (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا)(٦) الآية (٧).
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩))
قوله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) نزل حين كان المسلمون يشربون الخمر ويستعملون القمار مولعين فيهما (٨) ، أي يسألونك عن جواز تناولهما فقال تعالى (قُلْ فِيهِما) أي في استعمالهما (إِثْمٌ كَبِيرٌ) أي ذنب عظيم ،
__________________
(١) الأخري ، م : ـ ب س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٠١.
(٢) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٢٠١ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٥٥ ـ ٥٨ ؛ والبغوي ، ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.
(٣) و ، ب م : أو ، س.
(٤) لا تحبط ، ب م : لا يحبط ، س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٢٧.
(٥) نقله عن الكشاف ، ١ / ١٢٦.
(٦) التوبة (٩) ، ٣٦.
(٧) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٠٢.
(٨) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٢٠٣ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٥٨ ـ ٥٩ ؛ والوحدي ، ١ / ٢٨٢.