وهو المفعول الأول حذف للاستغناء ، والثاني (أَوْلادَكُمْ) بعث بالخطاب للوالدين وغيرهما من الأولياء على ايتاء الأجر للأظائر منجزا يدا بيد تطييبا لنفوسهن وإصلاحا لشأن الصبي ، أي إذا طلبتم أن تأخذوا ظئرا لإرضاع أولادكم (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي لا إثم لكم فيه (إِذا سَلَّمْتُمْ) إلى المراضع (ما آتَيْتُمْ) بالمد أي أعطيتم وبالقصر (١) ، أي جئتم به ، يعني الذي سميتم وشرطتم لهن (بِالْمَعْرُوفِ) متعلق ب (سَلَّمْتُمْ) ، أي إذا أعطيتموه لهن بطيبة نفس وحسن خلق بقبول جميل ، وقيل : المراد ب «المعروف» أن يكون الأجر من الحلال (٢) ، لأن المرضع إذا أكلت الحلال كان اللبن أنفع للصبي وأقرب إلى صلاحه ، ثم هددهم في مخالفة الأمر والإضرار وقال (وَاتَّقُوا اللهَ) أي ليخف كل منكم أن يضر بصاحبه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [٢٣٣] من الإضرار وغيره فيجازيكم به.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤))
قوله (وَالَّذِينَ) أي زوجات الذين بتقدير المضاف (يُتَوَفَّوْنَ) أي يموتون (مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ) أي يتركون (أَزْواجاً) أي نساء من بعدهم (يَتَرَبَّصْنَ) أي ينتظرن بالاعتداد (بِأَنْفُسِهِنَّ) أي لا يخرجن ولا يتزين (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) وإنما قال «عشرا» بالتأنيث ، ولم يقل عشرة مع أن العدة أربعة أشهر وعشرة أيام ذهابا إلى الليالي ، لأن التاريخ بالليلة لكونها أول الشهر والأيام تابعة لها (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي انقضت عدتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أيها الأولياء أو الأئمة وجماعة المسلمين (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) من الزينة والكحل والخضاب ودهن الرأس بكل دهن مطيب وغيره (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالوجه الذي عرف شرعا في التزين والتزوج بزوج آخر إذا كان كفوا لها فلا يمنعن من ذلك ، قيل : المرأة إذا اعتدت بعدة الوفاة يجب عليها ترك الزينة والطيب ، وجوز أبو حنيفة رحمهالله الاكتحال بالأسود للضرورة ، والشافعي رحمهالله ليلا وتمسحه نهارا للضرورة (٣) ، وكانت عدة الوفاة في أول الإسلام سنة فنسخت بهذه المدة (٤) إلا الحوامل (٥) ، فان عدتها بوضع الحمل لحديث سبيعة (٦) ، فانها وضعت بعد موت زوجها بليال ، فاستأذنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأذن لها أن تنكح (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [٢٣٤] أي عالم بالطاعة والتخلف بالمعصية ، قيل : تستوي (٧) المدخولة وغير المدخولة والصغيرة والكبيرة في وجوب العدة من الزينة والمنع من النكاح والخروج وغير ذلك (٨).
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥))
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ) أي لا حرج ولا بأس عليكم في الكلام الذي تعرضونه للمرأة المتوفي عنها زوجها ، أي تلوحونه وتشيرونه إليها (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) أي من طلب نكاحها بالتخاطب (٩) في العدة بأن يقولوا من غير تصريح إرادة النكاح إنك لجميلة أو إنك لتعجبيني أو إنك لموافقة لي ونحو ذلك من الكلام الموهم لإرادة نكاحها حتى تحبس نفسها على القائل به ، فهذا هو التعريض ، والجار والمجرور في محل النصب على الحال ، والعامل «عرضتم» (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) أي أو فيما أضمرتموه (فِي أَنْفُسِكُمْ) أي في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا بالتصريح ولا بالتعريض ، قوله (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ) فيه نوع توبيخ ، أي علم الله أنكم
__________________
(١) «ما آتيتم» : قرأ ابن كثير بقصر الهمزة ، والباقون بمدها. البدور الزاهرة ، ٥١.
(٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٣) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠. للضرورة ، ب م : ـ س.
(٤) المدة ، ب س : الآية ، م.
(٥) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ١ / ٣١٩.
(٦) رواه الترمذي ، الطلاق ، ١٨ ؛ والدارمي ، الطلاق ، ١١ ؛ وأحمد بن حنبل ، ٦ / ٣١٤.
(٧) تستوي ، ب س : يستوي ، م.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢١١.
(٩) بالتخاطب ، ب س : بالمخاطب ، م.