عَلِيمٌ (٢٤٤))
قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا) بعث على امتثال أمر الله تعالى من الجهاد في سبيل الله وغيره لمن سمع هذه القصة ، وتعجيب (١) من شأن أهلها ليعتبروا ويعلموا ، أي لا مفر من حكم الله وقضائه ، وهو استفهام على سبيل التقرير ، أي ألم تعلم ، يعني قد انتهى علمك إلى خبر الذين خرجوا (مِنْ دِيارِهِمْ) أي من بلادهم داوردان قبل واسط (وَهُمْ أُلُوفٌ) أي جماعات (٢) كثيرة ، قيل : كانوا ثمانية آلاف (٣) ، وقيل : سبعين ألفا (٤)(حَذَرَ الْمَوْتِ) أي خوف الطاعون والوباء هاربين ، فنزلوا واديا واستقروا فيه (فَقالَ لَهُمُ اللهُ) على لسان ملك (مُوتُوا) أو معنى هذا القول فأماتهم الله ، وإنما جيء بهذه العبارة ليدل على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمره ومشيته ، وتلك ميتة خارجة عن العادة فماتوا جميعا وبقوا فيه موتى ثمانية أيام ، وقيل : مر بهم نبي اسمه حزقيل عليهالسلام بعد زمان طويل وقد تفرقت أوصالهم وعريت عظامهم ، فقال الحمد لله القادر على أن يحيي هذه النفوس البالية ليعبدوه ، فدعا لهم (٥)(ثُمَّ أَحْياهُمْ) الله تعالى ليعلموا أن الحذر لا يغني من القدر ، وهذا تبكيت لمن يفر (٦) من القضاء المحتوم (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) حيث يبصرهم (٧) ما يعتبرون أو لذو من على أولئك القوم حين أحياهم ليعتبروا ويفوزوا ، ولو شاء الله لتركهم موتى إلى يوم البعث (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) [٢٤٣] رب هذا الفضل والنعمة.
ثم خاطب تشجيعا للذين أحيوا ، وقيل : لهذه الأمة بالعطف على مقدر (٨) ، أي لا تحذوا الموت (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته أعداءه الكفار (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالتكم بالتخلف عن الامتثال (عَلِيمٌ) [٢٤٤] بما تضمرونه من الأغراض في الجهاد ، يعني من غرض الدنيا وغرض الآخرة.
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥))
قوله (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) استفهام للتحريض على التصدق ، نزل في شأن أبي الدحداح حيث قال : يا رسول الله! إن لي حديقتين ، لو تصدقت إحديهما أكان (٩) لي مثلها في الجنة؟ قال : نعم (١٠) ، أي من يعطي عباده بالتصدق (قَرْضاً حَسَناً) أي اعطاء جميلا بطيبة نفس يطلب منه الجزاء (فَيُضاعِفَهُ) بالألف مخففا وبغيرها مشددا وضم الفاء للعطف على «يقرض» وبالألف وبغيرها ونصب الفاء (١١) لكونه في جواب الشرط ، أي فيزيده (لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) لا يعلم عددها لكثرتها إلا الله ، وأصل التضعيف أن يزاد على الشيء مثله أو أمثاله ، ثم أخبر أن التصدق لا يمكنهم إلا بتوفيق الله تعالى بقوله (وَاللهُ يَقْبِضُ) أي يمسك الرزق عن خلقه (ويبسط) بالسين والصاد (١٢) ، أي يوسع الرزق على خلقه ، ثم حثهم على ترك الدنيا وسهله عليهم فقال (وَإِلَيْهِ) أي إلى
__________________
(١) تعجيب ، ب م : تعجب ، س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٤٠.
(٢) جماعات ، س : جماعة ، ب ، جماعاة ، م.
(٣) عن مقاتل والكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢١٥ ؛ والبغوي ، ١ / ٣٣٥.
(٤) عن عطاء بن أبي رباح ، انظر البغوي ، ١ / ٣٣٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢١٥.
(٥) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١٤٠.
(٦) يفر ، ب م : ينفر ، س.
(٧) يبصرهم ، س : ـ ب م.
(٨) اختصره من البغوي ، ١ / ٣٣٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢١٦.
(٩) أكان ، ب م : لكان ، س.
(١٠) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢١٦.
(١١) «فيضاعفه» : قرأ نافع وأبو عمرو والأخوان وخلف بتخفيف العين وألف قبلها مع رفع الفاء ، وقرأ المكي وأبو جعفر بتشديد العين وحذف الألف مع رفع الفاء ، وقرأ الشامي ويعقوب بتشديد العين وحذف الألف مع نصب الفاء ، وقرأ عاصم بالتخفيف والنصب. البدور الزاهرة ، ٥١.
(١٢) «ويبسط» : قرأ نافع والبزي وشعبة والكسائي وروح وأبو جعفر بالصاد ، وقرأ قنبل وأبو عمرو وهشام وحفص ورويس وخلف عن حمزة وفي اختياره بالسين ، وقرأ ابن ذكوان وخلاد بالصاد والسين. البدور الزاهرة ، ٥٢.