قرئ بفتح اسم «لا» في الكل بلا تنوين على البناء وبالرفع (١) على جعل «لا» بمعنى ليس (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [٢٥٤] أي من ينكر بيوم البعث يظلم نفسه بعذاب النار.
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥))
قوله (اللهُ لا إِلهَ) أي لا معبود للخلق (إِلَّا هُوَ) أي إلا الله (الْحَيُّ) الموصوف بالحيوة الأزلية الأبدية (الْقَيُّومُ) أي الدائم القيام بتدبير الخلق في إنشائهم ورزقهم ، نزل حين قال المشركون : أصنامنا شركاء الله وهم شفعاؤنا عنده (٢) ، فوحد الله نفسه بالنفي والإثبات ليكون أبلغ في ثبوت التوحيد ونفي الشرك ، قوله (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) تأكيد ل (الْقَيُّومُ) ، أي ليس بغافل عن أمور الخلق لأن من جاز عليه التغير (٣) بالسنة والنوم استحال أن يكون قيوما ، قيل : «السنة» ما يتقدم النوم من النعاس (٤) ، والنوم غشية ثقيلة تقع في القلب (٥) ، وقيل : النعاس في العين والنوم في القلب (٦) ، ونفي الأدنى أولا ، لأنه مبدأ التغير ليلزم منه نفي الأعلى وإنما ذكره تتميما للكلام أو نفيا للتغيرات كلها ، لأنه ربما يتوهم أن الأدنى لا يأخذه (٧) لضعفه وأن الأعلى يأخذه (٨) لقوته فجمع بينهما لنفي ذلك التوهم (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي لا شركة لأحد في ملكهما ، لأنه خلقهما بما فيهما ، قوله (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) بيان إنكار بالاستفهام لعظمته وكبريائه في الدنيا والآخرة ، وإن أحدا لا يقدر أن يتكلم بالشفاعة وغيرها عنده يوم القيامة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي إلا بأن يأذن في الكلام والشفاعة لمن شاء فيمن شاء ، ثم بين أنه لا يخفى عليه (٩) شيء ما بقوله (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي ما كان قبلهم من أمر الدنيا وتشريك الأصنام له (وَما خَلْفَهُمْ) أي ويعلم ما يكون بعدهم من أمر الآخرة وأن لا شفاعة لهم فيها (وَلا يُحِيطُونَ) أي ولا يدركون ، يعني الملائكة والأنبياء وغيرهم (بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) أي من جميع معلوماته (إِلَّا بِما شاءَ) أي إلا بما أخبر الله لهم كاخبار الأنبياء والرسل ، وهذا رد لعابد الملائكة حيث يرجون شفاعتهم لعبادتهم إياهم ، يعني أنهم لا يعبدون شيئا مما تقدمهم وتأخرهم ، ولا يملكون الشفاعة ولا غيرها إلا بما أخبرهم ربهم ، ثم بين وسعة ملكه بقوله (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي وسع ملكه الذي لا شريك له فيه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك ، وقيل : وسع علمه تسمية بالمكان الذي هو كرسي العالم الحاكم (١٠) ، وقيل : هو الكرسي الذي بين يدي العرش ودونه السموات والأرض ، وهو بالنسبة إلى العرش كأصغر شيء (١١) ، وقيل : الكرسي والعرش واحد (١٢)(وَلا يَؤُدُهُ) أي لا يثقله (حِفْظُهُما) أي حفظ السموات والأرض (وَهُوَ الْعَلِيُّ) الشأن في الألوهية (الْعَظِيمُ) [٢٥٥] بالملك والقدرة ، يعني لا ند له ولا ضد له (١٣) ، روي عن النبي عليهالسلام : «سيد الكلام القرآن ، وسيد القرآن البقرة ، وسيد البقرة آية الكرسي» (١٤) ، وروي أيضا : «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلوة مكتوبة لم يمنعه من دخول
__________________
(١) «لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة» : قرأ المكي والبصريان بالفتح من غير تنوين في الثلالة ، والباقون بالرفع مع التنوين في الثلاثة. البدور الزاهرة ، ٥٣.
(٢) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٢٢.
(٣) التغير ، ب ، التغيير ، س م.
(٤) لعله اختصره من البغوي ، ١ / ٣٦٠ ؛ والكشاف ، ١ / ١٤٥.
(٥) أخذه المؤلف عن البغوي ، ١ / ٣٦٠.
(٦) نقله المفسر عن البغوي ، ١ / ٣٦٠.
(٧) لا يأخذه ، ب م : لا تأخذ ، س.
(٨) يأخذه ، ب م : تأخذه ، س.
(٩) عليه ، ب : منه ، س م.
(١٠) أخذ المؤلف هذا الرأي عن الكشاف ، ١ / ١٤٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٢٣ (عن ابن عباس).
(١١) أخذه عن الكشاف ، ١ / ١٤٦.
(١٢) نقله المفسر عن السمرقندي ، ١ / ٢٢٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٤٦ (عن الحسن).
(١٣) لا ضد له ، س م : ـ ب.
(١٤) انظر الكشاف ، ١ / ١٤٦. أخرج نحوه الترمذي ، فضائل القرآن ، ٢ ؛ ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.