الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» (١).
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦))
قوله (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) إشارة إلى أن أمر الإيمان بعد وضوح الحجة مبني على الاختيار دون القسر والإجبار كقوله (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(٢) ، أي لم يجر الله الإيمان (٣) على الإكراه ولكنه أجراه على الاختيار ، وقيل : هو إخبار في معنى النهي (٤) ، أي لا تكرهوا في الدين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ثم نسخ بقوله (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)(٥) ، وقيل : نزل في أنصاري مؤمن بالنبي عليهالسلام من أهل الكتاب تنصر ابناه قبل أن يبعث النبي عليهالسلام ، ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما ، وقال : لا أدعكما حتى تسلما فأبيا فاختصما إلى النبي عليهالسلام ، فقال الأنصاري : يا رسول الله ، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فقال تعالى : لا تكرهوا أحدا في الدين بعد فتح مكة وإسلام العرب ، فخلاهما (٦) ، فالآية مخصوصة بأهل الكتاب ، لأنهم خصوا أنفسهم بأداء الجزية فلا تكون منسوخة ، ثم علل عدم الإكراه في الدين بقوله (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) أي تميز الإسلام من الكفر بالدلائل الواضحة فمن أسلم وإلا وضعت الجزية عليه ولا يكره على الإسلام إن كان من أهل الكتاب (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) أي بالصنم (٧) أو الشيطان أو كعب بن الأشرف (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ) أي اعتصم (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي بالحلقة المحكمة أو بالحبل الوثيق الموصل إلى الله (لَا انْفِصامَ لَها) أي لا انقطاع لتلك العروة ، وهي كلمة «لا إله إلا الله» (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [٢٥٦] لمقالتهم وأعمالهم فيجازيكم بها.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي حافظ المؤمنين وناصرهم (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من الشبهات في الدين بتوفيق ، ويوفقهم له من حلها حتى يخرجوا منها (٨) إلى نور اليقين والثبات على الاستقامة أو أخرجهم من الكفر إلى الإيمان على إرادة الماضي من المستقبل (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي صمموا على الكفر (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) كالشيطان وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة (٩)(يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ) أي من نور البينات التي تظهر لهم للإيمان بمحمد ، لأنهم كانوا يعرفونه في كتبهم ويستفتحون به (إِلَى الظُّلُماتِ) أي إلى الشك والشبهة (١٠) والإنكار ، لأنهم منعوهم عن إتباعه ، فيكون المراد من الإخراج عن (١١) الإيمان المنع من الدخول فيه (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) أي أهلها وملازموها (هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٢٥٧] أي لا يخرجون عنها.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ
__________________
(١) انظر الكشاف ، ١ / ١٤٦. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٢) يونس (١٠) ، ٩٩.
(٣) لم يجر الله الإيمان ، م : الله لم يجر الإيمان ، ب ، لا يجر الله الإيمان ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٤٦.
(٤) لعله أخذه عن الكشاف ، ١ / ١٤٧.
(٥) التوبة (٩) ، ٧٣ ؛ والتحريم (٦٦) ، ٩. وهو قول ابن مسعود ، انظر البغوي ، ١ / ٣٦٢ ؛ وانظر أيضا ، أبو جعفر النحاس ، ٧٩ (عن سليمان بن موسي) ؛ وهبة الله بن سلامة ، ٢٧ ؛ وجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمان ، المصفي بأكف أهل الرسوخ من علم الناس والمنسوخ (تحقيق : حاتم صالح الضامن) ، بيروت ، ١٩٠٥ ـ ١٩٨٤ ، ٢١.
(٦) عن مسروق ، انظر الواحدي ، ٧٠ ؛ والبغوي ، ١ / ٣٦٢.
(٧) بالصنم ، س : الصنم ، ب م.
(٨) ويوفقهم له من حلها حتي يخرجوا منها ، س : ـ ب م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ١٤٧.
(٩) وحيي بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة ، م : ـ ب س ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٣٦٤.
(١٠) الشبهة ، ب م : الشبهات ، س.
(١١) عن ، س م : أي ، ب.