والكنوز ، وهذا أمر باخراج الزكوة من الحلال (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) أي لا تعمدوا بالتصدق والإخراج إلى ردي المال (مِنْهُ تُنْفِقُونَ) في محل النصب على الحال من ضمير (تَيَمَّمُوا) ، أي حال كونكم منفقين بالاختصاص من خبيث المال ، نزل حين حث النبي عليهالسلام الناس على التصدق ، فجعل الناس يأتون بالصدقة ويجمعون في المسجد ، فجاء رجل بعذق من تمر عامته حشف (١)(وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) أي آخذي الخبيث بدل الطيب (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أي إلا في حال إغماض البصر عنه ، فتأخذون دون حقكم مخافة أن يذهب جميعه ، يعني لو كان لكم على رجل حق فجاء بردي ماله بدل حقكم الطيب لا تأخذونه إلا في حال الإغماض والتساهل مخافة فوت حقكم ولاحتياجهم إليه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ) عن ذلك فلا يقبل إلا الطيب (حَمِيدٌ) [٢٦٧] في فعاله عن خلقه حيث يعطي الجزيل ويقبل القليل.
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨))
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) أي يخوفكم الفقر بقوله لا تنفقوا من مالكم لاحتياجهم إليه ، فان تصدقتم افتقرتم (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي بالبخل ومنع الزكوة أو بالزنا وقول الزور وغيرهما (وَاللهُ يَعِدُكُمْ) بالتصدق وإخراج الزكوة (مَغْفِرَةً) لذنوبكم (مِنْهُ) أي من الله (وَفَضْلاً) أي خلفا مما تصدقتم في الدنيا وثوابا عليه في الآخرة (وَاللهُ واسِعٌ) فضله (عَلِيمٌ) [٢٦٨] بما تنفقون (٢) فيجازيكم به.
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩))
(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) أي يعطي العلم النافع والعمل به للوصول إلى رضاء الله تعالى ، قيل : المعرفة بمكائد الشيطان ووسواسه والإصابة في القول والعمل (٣)(مَنْ يَشاءُ) من عباده (وَمَنْ يُؤْتَ) أي ومن يعط (الْحِكْمَةَ) أي العلم والعمل (فَقَدْ أُوتِيَ) أي أعطي (خَيْراً كَثِيراً) أي خيرا يتزايد ولا ينتقص (٤) وهو خير الآخرة بخلاف خير الدنيا ، فانه ينتقص (٥) ويقل ولا يتزايد لقوله تعالى (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(٦) الآية (وَما يَذَّكَّرُ) أي ما يتعظ بمعاني (٧) القرآن (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) [٢٦٩] أي أصحاب العقول الكاملة ، واللب جوهر العقل ، والمراد منهم العلماء بالله العمال بأحسن الأعمال ، قيل : من أعطي علم القرآن ينبغي أن لا يتواضع لأهل الدنيا لأجل دنياهم ، لأن ما أعطيه خير كثير والدنيا متاع قليل (٨) ، ولقوله عليهالسلام : «القرآن غنى لا غنى بعده» (٩).
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠))
(وَما أَنْفَقْتُمْ) أي ما تصدقتم في سبيل الله أو في سبيل الشيطان (مِنْ نَفَقَةٍ) أي صدقة (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) كذلك (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) أي يحصيه ويحفظه فيجازيكم به ، والضمير في (يَعْلَمُهُ) عائد إلى (ما وَما لِلظَّالِمِينَ) أي ليس للذين يظلمون بمنع الصدقة والزكوة أو بالإنفاق في المعاصي (مِنْ أَنْصارٍ) [٢٧٠] يمنعونهم من عذاب الله تعالى.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١))
(إِنْ تُبْدُوا) أي تعلنوا (الصَّدَقاتِ) المفروضة (فَنِعِمَّا هِيَ) قرئ بفتح النون وكسر العين على الأصل وبكسر
__________________
(١) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٣١.
(٢) بما تنفقون ، س : بما ينفقون ، ب م.
(٣) أخذ المؤلف هذا المعنى عن السمرقندي ، ١ / ٢٣٢.
(٤) ولا ينتقص ، ب س : ولا ينقص ، م.
(٥) ينتقص ، ب س : ينقص ، م.
(٦) النساء (٤) ، ٧٧.
(٧) بمعاني ، ب س : لمعاني ، م.
(٨) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٣٢.
(٩) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.