«تضل» المنصوب ب «أن» ، المعنى : فلتكن (١) المرأتان شاهدتين لإرادة أن تنسى (٢) إحديهما ، فتذكر إحديهما الأخرى إن نسيت ، وليس ضلال إحديهما بمراد ، لكن الضلال لما كان سببا للتذكير والتذكير مسببا عنه وهما من حيث الاتصال كشيء واحد كانت إرادة الضلال إرادة للتذكير والتذكير مراد لا محالة فكأنه قال إرادة أن تذكر إحديهما الأخرى إن ضلت ومثل هذا الكلام كثير في عرف الناس من ذلك قولهم أعددت هذا السلاح إن يظهر عدو لي فأدفعه به ، ثم حث الشهداء على إقامة الشهادة بقوله (وَلا يَأْبَ) أي لا يمتنع (الشُّهَداءِ) عن أداء الشهادة (إِذا ما دُعُوا) إلى الحاكم ليشهدوا (٣) ، ففيه حرمة الإباء عن الشهادة والتقصير في أدائه إباء والفسق أيضا إباء ، قوله (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ) فيه تحذير على الكتابة ، أي لا تملوا من أن تكتبوا الحق (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) حالان من ضمير المفعول ، أي لا تتركوا كتابة الحق حال كون الحق قليلا أو كثيرا (إِلى أَجَلِهِ) أي إلى وقته المعلوم بين الغريمين بالتسمية (ذلِكُمْ) أي كتب الحق إلى أجله (أَقْسَطُ) من القسط بالكسر بمعنى العدل ، أي اعدل (٤)(عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) أي أعون على إقامة الشهادة ، لأن كتبه يذكر الشهود ، من القويم بمعنى الثابت المحكم ثبوته (وَأَدْنى) أي أقرب (أَلَّا تَرْتابُوا) أي إلى (٥) أن لا تشكوا في الشهادة ، المعنى : أن الكتابة والإشهاد بالشهود العدول أحفظ لأموالكم (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) التجارة (تِجارَةً حاضِرَةً) بالنصب خبر «كان» ، وبالرفع على أن «كان» تامة (٦) ، يعني إلا أن يكون البيع بيعا حاضرا يدا بيد (تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ) أي تداولها أيديكم ولم يكن المال مؤجلا ، والجملة خبر بعد خبر ل «كان» (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) أي بأس (أَلَّا تَكْتُبُوها) أي التجارة إذا كانت حاضرة ، لأن فيها أمنا ليس في التداين (وَأَشْهِدُوا) على التبايع (إِذا تَبايَعْتُمْ) على كل حال نقدا كان أو مؤجلا ، لأنه أحوط وأدفع مما عسى يقع من الاختلاف ، وهذا أمر ندب ، لأنه لو (٧) ترك الإشهاد جاز البيع (وَلا يُضَارَّ) يحتمل البناء على الفاعل وعلى المفعول ، فعلى الأول نهي الكاتب (٨) عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منه وعن التحريف والزيادة والنقصان ، أي لا يمتنع (كاتِبٌ) عن الكتابة المقصودة (وَلا شَهِيدٌ) أي ولا يمتنع الشاهد عن إقامة الشهادة المعلومة ، وعلى الثاني النهي عن الضرار بالكاتب والشاهد ، أي لا يوصل أحد مضرة للكاتب والشاهد إذا كانا مشغولين بما يهمهما ويوجد غيرهما فلا يضاران بابطال شغلهما ، وقد يكون إضرار الكاتب والشهيد بأن لا يعطي حقهما من الجعل فيكون النهي عن ذلك (وَإِنْ تَفْعَلُوا) أي الضرار (فَإِنَّهُ) أي فعلكم إياه (فُسُوقٌ) أي معصية (بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) في الضرار أو فيما أمركم من الكتابة و (٩) الإشهاد وفيما نهاكم من الإضرار ، قوله (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) في محل النصب على الحال من فاعل (اتَّقُوا) ، أي والحال أنه يعلمكم مصالحكم وطرق فلاحكم ، والواو صلة أو التقدير وهو يعلمكم (١٠)(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [٢٨٢] أي من أعمالكم ونياتكم.
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣))
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) أي مسافرين (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً)(١١) بأن لا يحسن الكتابة أو لا يوجد الصحيفة أو
__________________
(١) فلتكن ، ب س : فليكن ، م.
(٢) تنسي ، ب س : ينسي ، م.
(٣) ليشهدوا ، ب م : يشهدوا ، س.
(٤) (أقسط) من القسط بالكسر بمعنى العدل أي أعدل (عند الله وأقوم للشهادة) ، م : (أقسط) أي أعدل (عند الله) من القسط بالكسر بمعنى العدل (وأقوم للشهادة) ، ب س.
(٥) إلي ، ب م : ـ س.
(٦) «تجارة حاضرة» : قرأ عاصم بنصب التاء فيهما والباقون بالرفع. البدور الزاهرة ، ٥٧.
(٧) لو ، ب م : إذا ، س.
(٨) الكاتب ، ب س : الكتاب ، م.
(٩) و ، س م : ـ س.
(١٠) أو التقدير وهو يعلمكم ، ب س : ـ م.
(١١) أي مسافرين (ولم تجدوا كاتبا) ، ب س : أي مسافرين وإنما شرط السفر في الارتهان مع أن الارتهان لا يختص به سفر دون حضر ، لأن السفر لما كان مظنة عدم الكتب والإشهاد أمر بالارتهان ليقوم مقامهما تأكيدا وتوثيقا لحفظ المال (ولم تجدوا كاتبا) ، م.