(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣))
ثم خاطب قريشا مشيرا إلى وقعة بدر ليعتبروا فيؤمنوا (١) فقال (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) أي علامة دالة على صدق قولي إنكم ستغلبون ، ومحل قوله (فِي فِئَتَيْنِ) رفع صفة «آية» ، ومحل قوله (الْتَقَتا) جر صفة (فِئَتَيْنِ) ، أي قد حصل لكم عبرة كائنة في جمعين ، جمع المؤمنين من أصحاب محمد عليهالسلام ، وجمع الكافرين من أهل مكة اجتماعا للقتال ، إحديهما (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته وهم النبي وأصحابه كانوا ثلثمائة وثلثة (٢) عشر رجلا وأكثرهم رجالة (وَأُخْرى كافِرَةٌ) وهم كفار قريش ، كانوا تسعمائة وخمسين رجلا (يَرَوْنَهُمْ) بالياء على الغيبة ، أي يرى المسلمون المشركين (مِثْلَيْهِمْ) أي مثلي المسلمين ، وهو نصب على الحال ، لأنه من رؤية العين أو يرى المشركون المسلمين مثليهم ليعظموا في أنفسهم ، والأول حقيقة والثاني ظن منهم ، وبالتاء (٣) على الخطاب لليهود ، لأنهم من حضر تلك الوقعة ينظر لمن الكرة والرؤية على القراءتين من رؤية العين لقوله (٤)(رَأْيَ الْعَيْنِ) وهو نصب على مصدر ، أي رؤية ظاهرة لا لبس فيها ، يعني معاينة كسائر المعاينات (وَاللهُ يُؤَيِّدُ) أي يقوي (بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) أي بتكثيره في عين العدو ، وقيل : أرسل الله إلى المسلمين الملائكة وهزموا المشركين (٥)(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي صنعه تعالى من نصر القليل على الكثير (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) [١٣] أي لذوي النظر بالعقل لدرك الحق من الباطل.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤))
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ) برفعه فاعل المجهول ، أي حسن لهم محبة (الشَّهَواتِ) أي مرادات (٦) النفوس ، والشهوة نزوع النفس إلى مرادها ومحبوبها ، وقد سمي (٧) المشتهي شهوة ، والمزين هو الله لقوله تعالى (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ)(٨) ، وذلك على جهة الامتحان ، وقيل هو الشيطان لقوله تعالى (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ)(٩) ، وذلك على جهة الوسوسة (١٠) ، قوله (مِنَ النِّساءِ) حال من «الشهوات» ، أي حال كونها من طائفة النساء وإنما بدأ بهن لأن فتنة النساء أشد من فتنة كل الأشياء (١١)(وَ) من طائفة (الْبَنِينَ) والفتنة بهم أن الرجل يبتلى بسببهم على جمع المال من الحلال والحرام ، ولأنهم يمنعونه عن محافظة حدود الله ، وهو من قبيل الاكتفاء ، إذ المراد من (١٢) «الأولاد» الذكور والإناث ، قيل : أولادنا فتنة ، إن عاشوا أفتنونا وإن ماتوا أحزنونا (١٣)(وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) جمع القنطار وهو المال الكثير والمقنطرة مأخوة من القنطار للتأكيد كما يقال ألوف مؤلفة ، أي الأموال الكثيرة المجتمعة (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) حال من «المقنطرة» ، قيل : حده ألف ومائتا دينار (١٤) أو مائة ألف مثقال (١٥) أو سبعون ألف دينار (١٦) أو ملء مسك ثور ذهبا (١٧)(وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) عطف على «النساء» ، جمع
__________________
(١) فيؤمنوا ، س م : ويؤمنوا ، ب.
(٢) ثلثة ، ب م : ثلث ، س.
(٣) «يرونهم» : قرأ المدنيان ويعقوب بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ٥٩.
(٤) لقوله ، ب س : قوله ، م.
(٥) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٥٠.
(٦) مرادات ، ب م : مرادة ، س.
(٧) وقد سمي ، س م : ويسمي ، ب.
(٨) النمل (٢٧) ، ٤.
(٩) النمل (٢٧) ، ٢٤.
(١٠) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٥٠.
(١١) الأشياء ، ب س : الأبناء ، م ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٥٠.
(١٢) من ، م : ـ ب س.
(١٣) أخذ المؤلف هذا الرأي عن السمرقندي ، ١ / ٢٥١.
(١٤) نقله عن البغوي ، انظر البغوي ، ١ / ٤٣٥.
(١٥) هذا مأخوذ عن البغوي ، ١ / ٤٣٥.
(١٦) عن مجاهد ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٥١ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٣٥.
(١٧) عن أبي نصرة ، انظر البغوي ، ١ / ٤٣٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٥١.