خائل كطير جمع طائر ، وقيل : جمع لا واحد له من لفظه (١) ، أي الأفراس المعلمة من السمة أو المرعية من السوم (وَالْأَنْعامِ) أي الإبل والبقر والغنم ، جمع نعم (٢)(وَالْحَرْثِ) أي الزرع ، قيل : كل منها فتنة للناس ، أما النساء والبنين فتنة للجميع ، والذهب والفضة فتنة للتجار ، والخيل فتنة للملوك ، والأنعام فتنة لأهل البوادي ، والحرث فتنة لأهل الرساتيق (٣) ، ثم رغب في الآخرة وزهد في الدنيا بقوله (ذلِكَ) أي الذي ذكر من الأشياء السبعة (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي منفعة قليلة للناس في الحيوة الدنيا ، ثم يزول ولا يبقى (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [١٤] أي حسن المرجع في الآخرة ، لا يزول ولا يفني وهو الجنة.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥))
ثم أمر تعالى النبي عليهالسلام أن يبين للمؤمنين أن ما وعد لهم في الآخرة أفضل مما زين للكافرين في الدنيا فتنة لهم بقوله (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ) أي أخبركم (بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) أي من الذي زين للناس (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أي خافوا من الشرك والمعاصي والتزين بزينة الدنيا الشاغلة عن طاعة الله (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ) أي مقيمين (فِيها) أبدا (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي زوجات طاهرة من العيوب الظاهرة (٤) كالحيض والامتخاط واتيان الخلاء ، ومن الباطنة كالحسد والغضب والنظر إلى غير أزواجهن ، روي عن النبي عليهالسلام : «لشبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها» (٥)(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) أي رضاء منه تعالى وهو من (٦) أكبر النعم ، قرئ بكسر الراء وضمها (٧)(وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) [١٥] أي بأعمالهم فيثيب ويعاقب على الاستحقاق.
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))
قوله (الَّذِينَ يَقُولُونَ) نصب أو رفع على المدح ، ويجوز الجر صفة ل «العباد» ، أي هم الذين يقولون (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) أي صدقنا بك وبنبيك (٨)(فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) التي كانت في الشرك وفي الإسلام (وَقِنا) أي ادفع عنا (عَذابَ النَّارِ) [١٦] ونصب (٩)(الصَّابِرِينَ) مدحا ويجوز أن يكون مجرورا صفة ل «العباد» ، أي الذين صبروا على الطاعات والمصيبات ، والممتنعين عن المعاصي (وَالصَّادِقِينَ) في إيمانهم وأعمالهم الصالحة ، ووعدهم بينهم وبين الله أو بين الناس (وَالْقانِتِينَ) أي المطيعين لله (وَالْمُنْفِقِينَ) أي المتصدقين في سبيل الله (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) [١٧] أي الذين يصلون بالليل ويمدون في الصلوة ، فاذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار ، قال لقمان لابنه : «يا بني لا تكونن أعجز من هذا الديك يصوت بالأسحار وأنت نائم على فراشك» (١٠).
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
قوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) نزل حين جاء رجلان من أحبار الشام ، فقالا : للنبي على السّلام أنت محمد؟ قال : نعم ، فقالا : أنت أحمد؟ قال : أنا محمد وأحمد ، قالا : أخبرنا عن أعظم الشهادة في كتاب الله تعالى (١١) ، فأخبر به ، أي أثبت الله بالحجة القطعية وأعلم بمصنوعاته الدالة على توحيده أنه واحد لا شريك له في خلقه الأشياء ، إذ لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا منها (وَالْمَلائِكَةُ) أي وشهدت الملائكة وأقرت بما عاينت من
__________________
(١) هذا الرأي منقول عن البغوي ، ١ / ٤٣٦.
(٢) نعم ، ب س : النعم ، م.
(٣) نقله عن السمرقندي ، ١ / ٢٥١ ، ٢٥٢.
(٤) الظاهرة ، ب م : ـ س.
(٥) رواه ابن ماجة ، الزهد ، ٣٩.
(٦) من ، س : ـ ب م.
(٧) «ورضوان» : قرأ شعبة بضم الراء ، والباقون بكسرها. البدور الزاهرة ، ٦١.
(٨) وبنبيك ، ب س : ونبيك ، م.
(٩) ونصب ، ب س : وبنصب ، م.
(١٠) انظر البغوي ، ١ / ٤٣٨.
(١١) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٥٣ ؛ والواحدي ، ٨٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٣٨ ـ ٤٣٩.