والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) أي لمشركي العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) بالاستفهام للتوبيخ على المعاندة في معنى الأمر ، أي أسلموا ، فهل أنتم منتهون عن الكفر والشرك (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) أي إن أخلصوا في التوحيد والتصديق بمحمد صلىاللهعليهوسلم فقد وجدوا الهداية وخرجوا من الضلالة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي إن أعرضوا عن التوحيد والتصديق بمحمد عليهالسلام (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) أي التبليغ بالرسالة دون الهداية (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) [٢٠] أي بأعمالهم من الإيمان وعدمه ، قيل : هذه الآية نسخت بآية القتال (١).
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي بالقرآن والمعجزات على نبوة (٢) محمد عليهالسلام (وَيَقْتُلُونَ) وقرئ «يقاتلون» بالألف (٣)(النَّبِيِّينَ) أي ويرضون بالقتل الذي فعله آباؤهم (بِغَيْرِ حَقٍّ) أي بظلم منهم ، نزل إخبارا عن كفار بني إسرائيل الذين قتلوا الأنبياء ، وأتباعهم عنادا توبيخا لأهل الكتاب والمشركين الذين كفروا بمحمد ويقاتلونه (٤) ، ثم قال (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (مِنَ النَّاسِ) وهم مؤمنو بني إسرائيل يأمرونهم بالمعروف وكانوا يقتلونهم ، فأوعد الله لهم النار بقوله (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [٢١] أي وجيع دائم ، والفاء في «فبشرهم» الذي هو الخبر يدل على أنهم مستحقون بهذه البشارة لتضمن اسم «إن» معنى الجزاء ، قيل : قتلوا ثلثة وأربعين نبيا أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة واثنى عشر رجلا من مؤمني بني إسرائيل ، فأمروهم بالمعرف ، ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعهم آخر النهار من ذلك اليوم (٥).
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢))
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت حسنات أعمالهم (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [٢٢] يمنعونهم من عذاب النار.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))
قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) أي أعطوا حظا (مِنَ الْكِتابِ) أي من علم التورية ، نزل حين دعا النبي عليهالسلام اليهود إلى الإيمان فامتنعوا منه (٦) أو حين جاء أهل خيبر إلى النبي عليهالسلام برجل وامرأة زنيا ، فحكم عليهما بالرجم ، فقال علماء اليهود : ليس عليهما الرجم ، فقال عليهالسلام : بيني وبينكم التورية ، فقالوا : قد أنصفتنا (٧) فجاؤا بالتورية فوجدوا فيها (٨) الرجم ، فرجما ، فانصرف اليهود مغضبين (٩) ، قوله (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) في محل النصب على الحال من (الَّذِينَ أُوتُوا) ، أي حال كونهم مدعوين إلى حكم القرآن (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى) أي ينصرف عن سماع ذلك الحكم (فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [٢٣] عن قبول الحق ، والواو فيه للحال.
__________________
(١) انظر هبة الله بن سلامة ، ٢٩ ، لعله أخذه منه.
(٢) نبوة ، ب م : ـ س.
(٣) «ويقتلون» : قرأ حمزة بضم الياء وفتح القاف وألف بعدها وكسر التاء ، والباقون بفتح الياء وإسكان القاف وحذف الألف وضم التاء ، ولا خلاف في الموضع الأول وهو : ويقتلون النبيين أنه يقرأ كقراءة غير حمزة في الموضع الثاني. الدور الزاهرة ، ٦١.
(٤) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٥٤ ، ٢٥٦ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٤٢ ، ٤٤٣.
(٥) نقله المؤلف عن البغوي ، ١ / ٤٤٣.
(٦) ذكر قتادة نحوه ، انظر البغوي ، ١ / ٤٤٣.
(٧) قد أنصفتنا ، م : أنصفتنا ، ب س.
(٨) فوجدوا فيها ، س : فوجد فيها ، ب ، فوجداها ، م.
(٩) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٥٦ ؛ والواحدي ، ٨٣.