(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))
(ذلِكَ) أي الإعراض عن الحق (بِأَنَّهُمْ قالُوا) أي بسبب قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أي أربعين يوما على عدد أيام عبادة العجل (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٢٤] أي يكذبون بالعمد على الله وهو قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه فيعفو عنا بتأخير العذاب.
(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥))
ثم أوعدهم بقوله (فَكَيْفَ) أي كيف يصنعون ويحتالون (إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك فيه لمن يعقل الحق (وَوُفِّيَتْ) أي وفرت وأعطيت (كُلُّ نَفْسٍ) من أهل الكتاب وغيرهم (ما كَسَبَتْ) أي الذي عملته من السيئات والحسنات (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [٢٥] أي لا ينقصون من حسناتهم ولا يزادون على سيئاتهم.
(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦))
قوله (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) نزل حين فتح النبي عليهالسلام مكة ووعد أمته ملك فارس والروم (١) ، فعلمه الله أن يدعو بهذا الدعاء أو حين حفر أصحابه الخندق ، فوصل الحفر إلى الصخرة وعجزوا عن حفرها ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم المعول وضرب ضربة ، فظهر من تلك الصخرة نور ، فقال له سلمان : رأيت شيئا عجبا يا رسول الله! فقال : ما رأيت؟ قال : رأيت قصور الحيرة من الشام ، ثم ضرب ضربة أخرى فظهر كذلك ، فقال : رأيت قصور أهل فارس ، فقال عليهالسلام : سيظهر لأمتي ملك الشام وملك فارس ، فقال المنافقون : إن محمدا لا يأمن على نفسه واضطر إلى حفر الخندق ، فكيف يتمنى ملك الشام وفارس؟ (٢) فقال تعالى : قل يا محمد اللهم ، أي يا الله أمنا بخير ، أي اقصدنا يا مالك الملك كله (تُؤْتِي الْمُلْكَ) من النبوة وغيرها (مَنْ تَشاءُ) أي محمدا ومن آمن به (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أي من فارس والروم (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) أي بالإسلام أو بالملك (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بنزع الملك من أهله أو بالشرك (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي الخير والشر فيكون من قبيل الاكتفاء أو المراد الخير دون الشر ، لأن الكلام في ذكر الخير المسوق إلى المؤمنين إنك وهو الهداية والسعادة (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٢٦] من الإعزاز والإذلال.
(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧))
ثم أشار إلى قدرته الباهرة الدالة على توحيده وكبريائه بقوله (تُولِجُ اللَّيْلَ) أي تدخله (فِي النَّهارِ) أي في مكانه ، لأن ما نقص من الليل يدخل في مكان (٣) النهار حتى يصير الليل خمس عشرة ساعة (وَتُولِجُ النَّهارَ) أي تدخله (فِي اللَّيْلِ) أي في مكانه حتى يصير النهار (٤) خمس عشرة ساعة (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) بالتخفيف والتشديد (٥) ، أي تظهر الحيوان من النطفة أو الطير من البيضة أو العالم من الجاهل أو المؤمن من الكافر أو النبات من الأرض اليابسة (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) وهذا عكس الأول (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [٢٧] أي من غير أن يحاسب في الإعطاء ، لأنه المالك حقيقة ليس فوقه من يحاسبه فيه أو ترزقه بلا تقتير أو بلا حسبان وظن له.
__________________
(١) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٥٧ ؛ والواحدي ، ٨٣ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٤٥.
(٢) اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٥٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٨٣ ـ ٨٥.
(٣) مكان ، س م : ـ ب.
(٤) (وتولج النهار) أي تدخله (في الليل) أي في مكانه حتي يصير النهار ، س : (وتولج النهار في الليل) أي يدخله فيه حتي يصير الليل ، م ، (وتولج النهار في الليل) أي تدخله فيه حتي يصير النهار ، ب.
(٥) «الميت» معا : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة بتخفيف الياء ساكنة ، والباقون بتشديدها مكسورة. البدور الزاهرة ، ٦١.