(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨))
قوله (لا يَتَّخِذِ) بكسر الذال ورفعه (١) نهيا أو خبرا في معناه (الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) أي أحباء (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي مكان المؤمنين وبدلهم (٢) ، نزل في شأن المنافقين كعبد الله بن أبي وأصحابه ، كانوا يتولون اليهود في العون والنصرة ويأتونهم بالأخبار من المؤمنين (٣) أو في شأن حاطب بن أبي بلتعة وغيره ، كانوا يظهرون المودة لكفار مكة لكون أولادهم وأقربائهم فيها (٤) ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، أي اجتنبوا أيها المؤمنون عن موالاة الكفار فلكم غنية عنها بموالاة المؤمنين ، لأنهم أعداء الله (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي موالاة (٥) الكفار (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أي من دينه وتوفيقه (فِي شَيْءٍ) أي في حظ ، لأن من والى عدو الله فقد دخل في عداوة الله ، وانسلخ من ولاية الله رأسا لأنهما متنافيان لا يجتمعان ، ثم استثنى الخائفين منهم فقال (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) في محل النصب مفعول له ، أي لا توالوهم إلا لأجل أن تخافوا (٦)(مِنْهُمْ تُقاةً) بالألف والإمالة (٧) ، أي مخافة بوجه يجب الآحتراز منه ، وذلك بأن يغلب الكفار أو يقع المسلم بينهم فيرضيهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه ، وهذا رخصة منه تعالى فلو صبر حتى قتل كان أجره عظيما (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي يقول الله إياكم ونفسي ، يعني احذروا من سخطي بموالاة (٨) أعدائي ، قيل : إنما يحذر نفسه من يعرفه بالمكاشفة (٩) فأما (١٠) من لا يعرفه فخطابه (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)(١١)(وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [٢٨] أي المرجع تحذير آخر بالبعث والجزاء.
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩))
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا) أي إن تضمروا (١٢)(ما فِي صُدُورِكُمْ) أي ما في قلوبكم من موالاة الأعداء ونقض العهود والعمل بما لا يرضى الله به (١٣)(أَوْ تُبْدُوهُ) أي تظهروه للمؤمنين (يَعْلَمْهُ اللهُ) جزم بجواب الشرط ، قوله (وَيَعْلَمُ) استئناف في معنى التعليل ، أي لا يخفى عليه ذلك ، لأنه يعلم (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فيعلم سركم وجهركم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أي من السر والعلن والعذاب والمغفرة (قَدِيرٌ) [٢٩] أي مقتدر بقدرة ذاتية لا يختص بمقدور دون مقدور.
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠))
(يَوْمَ) أي اذكر يوم (تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) في الدنيا (مِنْ خَيْرٍ) أي ثوابه من غير نقص ، بيان ل «ما» بمعنى الذي ، أي تجده (مُحْضَراً) أي مكتوبا في صحفهم يقرؤنه ، قوله (١٤)(وَما عَمِلَتْ) مبتدأ بمعنى الذي عملته النفس (مِنْ سُوءٍ) أي من شر في الدنيا ولا يصح أن يكون شرطية ، لأن قوله (تَوَدُّ) لم يسمع فيه الجزم الذي هو المختار من القراء ، فهو (١٥) في محل الرفع على أنه خبر المبتدإ ، أي تحب النفس وتتمنى (لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ) أي أن يكون
__________________
(١) أخذ المؤلف هذه القراءة عن السمرقندي ، ١ / ٢٥٨.
(٢) وبدلهم ، ب م : وبدله ، س.
(٣) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٥٨ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٨٥.
(٤) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٥٨ ؛ والبغوي ، ١ / ٤٤٨.
(٥) موالاة ، م : ولاء ، ب س.
(٦) أن تخافوا ، ب س : أن يخافوا ، م.
(٧) «تقاه» : قرأ يعقوب بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء مفتوحة علي وزن مطية ، والباقون بضم التاء وفتح القاف وبعدها ألف. البدور الزاهرة ، ٦١.
(٨) بموالاة ، س م : بموالات ، ب ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٤٩ ؛ والكشاف ، ١ / ١٦٩.
(٩) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(١٠) فأما ، ب س : وأما ، م.
(١١) البقرة (٢) ، ٢٨١.
(١٢) أي إن تضمروا ، س م : أي تضمروا ، ب.
(١٣) لا يرض الله به ، ب م : أي تضمروا ، ب.
(١٤) قوله ، س م : ـ ب.
(١٥) فهو ، ب س : وهو ، م.