أن (١) بين النفيس وبين السوء (أَمَداً بَعِيداً) أي مسافة واسعة كما بين المشرق والمغرب ، ولم تعمل ذلك السوء قط (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) كرر التحذير من نفسه لئلا يغفلوها عنه (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [٣٠] أي بليغ (٢) الرحمة بهم حيث لم يعجل بعقوبتهم.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١))
قوله (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) نزل حين دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم كعب بن الأشرف ومن تابعه إلى الإيمان ، فقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، فقال تعالى لنبيه : قل لهم إني رسول الله أدعوكم إليه ، فان كنتم تحبونه فاتبعوني على دينه (٣) ، وامتثلوا أمري يحببكم الله ويرض (٤) عنكم (٥)(وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فان من ادعي محبة الله وخالف سنة نبيه فهو كذاب بنص كتاب الله تعالى ، والمراد من محبة الله عصمته (٦) بالتوفيق والعفو وإنعامه بالرحمة ، ومن محبة العباد رغبتهم في طاعة الله (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٣١] للتائب المطيع.
(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢))
ثم قالوا بعد نزول هذه الآية : إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله فيريد أن نحبه كما أحبت (٧) النصارى عيسى ابن مريم فنزل (٨)(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) أمرا لهم بالجمع بين طاعته وطاعة رسوله رغما لهم (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي إن أعرضوا عن طاعتهما (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) [٣٢] أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر (٩) لهم لكفرهم ، قيل : يحتمل أن يكون «تولوا» مضارعا بأن يكون أصله تتولوا (١٠) فخذفت التاء الأولى (١١) ويدخل في جملة ما يقوله الرسول وأن يكون ماضيا بلا حذف ولم يدخل فيها.
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣))
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى) أي اختار (١٢)(آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ) أي نفس إبراهيم وعمران أو هما وأولادهما كإسماعيل وإسحق وذريتهما وكموسى وهرون وباقي الأنبياء من بني يعقوب ، يعني اختص آدم ومن ذكر معه من الأنبياء ومن أولادهم بالنبوة وارتضى بدينهم وفعلهم (عَلَى الْعالَمِينَ) [٣٣] أي عالمي زمانهم.
(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤))
قوله (ذُرِّيَّةً) نصب على الحال من المصطفين بعد آدم أو بدل من نوح وما عطف عليه أو بدل من الآلين بمعنى أن الآلين ذرية واحدة (بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) جملة اسمية ، محلها نصب وصف ل «ذرية» ، أي ذرية متسلسلة انشعب بعضها من بعض بالتوالد ، وقيل : بعضها من بعض في الدين والتناصر (١٣)(وَاللهُ سَمِيعٌ) لمقالتهم (عَلِيمٌ) [٣٤] بدينهم وأعمالهم.
(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥))
قوله (١٤)(إِذْ قالَتِ) نصب بمحذوف (١٥) ، أي أذكر وقت قالت (امْرَأَتُ عِمْرانَ) هي حنة ، أم مريم وعمران بن ماثان في زمن زكريا لا عمران أبو موسى وهرون ، وكان بينهما ألف وثمانمائة سنة فأحبت حنة الولد بعد ما
__________________
(١) أن ، س م : ـ ب.
(٢) بليغ ، ب س : تبليغ ، م.
(٣) فاتبعوني علي دينه ، ب م : فاتبعون علي ديني ، س.
(٤) ويرض ، ب م : ويرضي ، س.
(٥) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٦١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٤٥١ ؛ والواحدي ، ٨٦ (عن الكلبي).
(٦) عصمته ، س م : ـ ب.
(٧) أحبت ، ب م : أحببت ، س.
(٨) فنزل ، ب س : ثم نزل ، م. أخذه من السمرقندي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٦١.
(٩) ولا يغفر لهم ، س م : لا يغفر لهم ، ب.
(١٠) نقله المفسر عن الكشاف ، ١ / ١٧٠.
(١١) التاء الأولي ، س م : تاء الأولي ، ب.
(١٢) أي اختار ، س م : اختار ، ب.
(١٣) اختصره من البغوي ، ١ / ٤٥٣.
(١٤) قوله ، م : ـ ب س.
(١٥) نصب بمحذوف ، م : ـ ب س.