أو مربي العلماء بصغار العلم قبل كباره أو عاملين لله (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ) بالتشديد ، أي بسبب كونكم دارسين (الْكِتابَ) غيركم ، وبالتخفيف (١) ، أي تعلمون أنتم (وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) [٧٩] أي تقرؤونه وتعملون به ، قيل : إذا لم يعمل العالم بعلمه فهو والجاهل سواء (٢) ، وقيل : من علم العلم ودرسه ولم يعمل به فليس من الله في شيئ (٣) ، وإنما ينسب العالم إلى الله بطاعته لا بعلمه.
(وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠))
(وَلا يَأْمُرَكُمْ) بالرفع على الاستئناف ، أي لا يأمركم الله ، وبالنصب (٤) على العطف على «يؤتيه» أو على «يقول» بتقدير أن ، و «لا» زائدة لتأكيد النفي ، أي ولا أن يأمركم الرسول (أَنْ تَتَّخِذُوا) أي قريش وغيرهم (الْمَلائِكَةَ) بقولهم إنها بنات الله (وَالنَّبِيِّينَ) كعيسى وعزير (أَرْباباً) أي معبودين كاتخاذ اليهود والنصارى إياهما معبودين ، قوله (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [٨٠] إنكار عليهم بالهمزة من عبادة غير الله والسجدة له ، أي أيأمركم بعبادة الملائكة والسجدة للأنبياء بعد كونكم مخلصين بالتوحيد لله ، فانه لو أمركم بذلك لكفر ونزع منه النبوة والإيمان.
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١))
قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) فيه حث للرسول أن يأمرهم (٥) بما في كتاب الله من معرفته ومعرفة أحكامه ، ولأمته أن يؤمنوا بما يقول لهم من الأمر والنهي ويتبعوا دينه وينصروه ولا يخالفوا عن أمره ، أي واذكر يا محمد وقت أخذ الله ميثاق الأنبياء وأممهم وعهدهم في يوم الميثاق حين أخرجهم من صلب آدم أن يبلغ الأول الآخر وأن يصدق الآخر الأول ، قوله (لَما) بكسر اللام حرف جر يتعلق ب «أخذ» ، و «ما» بمعنى الذي ، أي للذي (آتَيْتُكُمْ) وبفتح اللام (٦) للابتداء والتأكيد بمعنى القسم ، لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف ، وسيأتي جواب القسم ، و «ما» بمعنى الذي أيضا ، والعائد إليه محذوف ، أي للذي آتيتكموه ، قرئ مفردا وجمعا (٧) ، آتيناكم تعظيما لله تعالى ، والمعنى على كون اللام للجر : أخذ الله ميثاقهم وميثاقكم من قبيل الاكتفاء لأجل الذي أعطيتكموه (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) وهي بيان أحكام الحلال والحرام والحدود (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) عطف على (آتَيْتُكُمْ) بتأويل المصدرين ليكون عطف المفرد على المفرد على أن «ما» مصدرية ، والعائد من هذا المعطوف محذوف ، وهو به بقرينة قوله «لتؤمنن به» بعده أو عطف عليه على أن «ما» موصولة ، ولا حاجة إلى العائد ، لأن قوله (لِما مَعَكُمْ) بمعنى له ، فكأنه قيل : آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له ، والأوجه كون «ما» مصدرية واللام للتعليل ، فيكون المعنى : أخذت ميثاق الأنبياء لأجل إيتائي كتابا (٨) لكم وحكمة (٩) ومجيئ الرسول به إياكم يا أهل الكتاب ، وهو محمد عليهالسلام فانه رسول مني لكم (مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) وهو التورية أو (١٠) الإنجيل ،
__________________
(١) «تعلمون» : قرأ الشامي والكوفيون بضم التاء وفتح العين وكسر اللام مشددة ، والباقون بفتح التاء وإسكان العين وفتح اللام مخففة. البدور الزاهرة ، ٦٧.
(٢) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٢٨٠.
(٣) أخذ المؤلف هذا القول عن الكشاف ، ١ / ١٨٣.
(٤) «يأمركم» : قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف بنصب الراء ، وقرأ المدنيان والمكي والكسائي برفعها ، وقرأ أبو عمرو بخلف عن الدوري باسكانها ، والوجه الثاني للدوري اختلاس ضمتها. البدور الزاهرة ، ٦٧.
(٥) أن يأمرهم ، س م : أن يأمركم ، ب.
(٦) «لما» : قرأ حمزة بكسر اللام ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٦٧.
(٧) «آتيتكم» : قرأ المدنيان «آتيناكم» بالنون والألف علي التعظيم ، والباقون بتاء مضمومة مكان النون من غير ألف. البدور الزاهرة ، ٦٧.
(٨) كتابا ، ب س : كتابكم ، م.
(٩) وحكمة ، س : ـ ب م.
(١٠) أو ، ب س : و ، م.