قوله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) جواب القسم ، أي لتصدقنه إذا بعث إليكم نبيا (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) على أعدائه لإظهار دين الحق إذا دعاكم إليه ، ثم (قالَ) الله تعالى لهم في ذلك الوقت بالاستفهام لتثبيت الإقرار منهم (أَأَقْرَرْتُمْ) بذلك الميثاق بتصديقه ونصره إذا خرج (وَأَخَذْتُمْ) أي أقبلتم (عَلى ذلِكُمْ) الميثاق (إِصْرِي) أي عقدي الذي عقدته عليكم في شأن محمد عليهالسلام ، وأصل الإصر الثقل ، سمي به العهد ، لأنه ثقل على صاحبه من حيث إنه يمنع عن (١) مخالفته إياه (قالُوا) أي أهل الكتاب (أَقْرَرْنا) على ذلك (قالَ) الله تعالى للملائكة أو لأهل الكتاب (فَاشْهَدُوا) أي فليشهد بعضكم على بعض بأني قد أخذت عليكم العهد (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [٨١] على إقراركم بذلك وشهادتكم به ، وهذا توكيد عليهم وتهديد من الرجوع.
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢))
(فَمَنْ تَوَلَّى) أي أعرض (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد الإقرار والتوكيد (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [٨٢] أي الخارجون عن الإيمان بالله وطاعته بنقض العهد.
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣))
ثم قال بهمزة الإنكار لهم (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ) أي أيتولون فغير (٢) دين الله (يَبْغُونَ) بالياء والتاء (٣) ، أي تطلبون (٤)(وَلَهُ أَسْلَمَ) أي لله أخلص وانقاد (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي أهلهما (طَوْعاً) أي بلا إباء (وَكَرْهاً) أي باباء ، يعني يسجد له أهل السماء طوعا ، ويسجد أهل الأرض بعضهم طوعا كالمخلصين وبعضهم كرها كالمنافقين ، وقيل : خضع له من ولد في الإسلام طوعا بالنظر في الأدلة والإنصاف من النفس ومن أبي أجبر (٥) حتى أدخل في الإسلام كرها أو قتل (٦)(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [٨٣] بالياء والتاء (٧) ، أي يصيرون (٨) في الآخرة فلا يقدرون على الإباء.
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤))
ثم قال تعالى للنبي عليهالسلام (قُلْ آمَنَّا) أي قل لأهل الكتاب : إن لم تؤمنوا آمنت أنا والمؤمنون (بِاللهِ) وأنبيائه (وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا) من القرآن (٩) ، وعدي «أنزل» هنا بحرف «على» ، وفي البقرة (١٠) بحرف «إلى» لوجود معنى الاستعلاء والانتهاء جميعا في الإنزال ، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الأنبياء ، فجاء بأحد المعنيين تارة وبالآخر أخرى (وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ) من صحفه العشر (١١)(وَ) على (١٢)(إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) وهم أولاد يعقوب من الأنبياء (وَما أُوتِيَ) أي وبما (١٣) أعطي (مُوسى) من التورية (وَعِيسى) من الإنجيل (وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) في النبوة كما يفرق أهل الكتاب فيكفرون ببعض ويؤمنون ببعض (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [٨٤] أي مخلصون بالتوحيد والطاعة.
__________________
(١) عن ، ب م : من ، س.
(٢) فغير ، ب س : بغير ، م.
(٣) «يبغون» : قرأ حفص والبصريان بياء الغيبة ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٦٧.
(٤) يطلبون ، م : تطلبون ، ب س.
(٥) ومن أبي أجبر ، ب س : ومن أجبر ، م.
(٦) لعل المؤلف اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٨٢ ؛ والبغوي ، ١ / ٥٠٢.
(٧) «يرجعون» : قرأ حفص بياء الغيبة مضمومة مع فتح الجيم وقرأ يعقوب بياء مفتوحة مع كسر الجيم ، والباقون بتاء الخطاب مضمومة مع فتح الجيم. البدور الزاهرة ، ٦٧.
(٨) يصيرون ، س : تصيرون ، ب م.
(٩) من القرآن وعدي ، ب س : من القرآن وما أنزل علي إبراهيم من صحف العشر وعدي ، م.
(١٠) انظر البقرة (٢) ، ١٣٦ ، ٢٨٥.
(١١) (وما أنزل على إبراهيم) من صحفه العشر ، ب س : ـ ب.
(١٢) علي ، ب س : ـ م.
(١٣) وبما ، ب س : ـ م.