(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥))
قوله (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) نزل في شأن حارث بن سويد وأصحابه من المرتدين وكانوا عشرة أو اثنى عشر رجلا ، رجعوا عن الإسلام في المدينة ولحقوا بمكة (١) ، أي ومن يطلب سوى دين الإسلام دينا (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [٨٥] أي من المغبونين (٢) ، لأنه اختار منزلة النار بدل منزلة الجنة.
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٨٦))
ثم قال (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) أي كيف يلطف (٣) بهم وليسوا من أهل اللطف لعلمه تصميمهم (٤) على الكفر لرجوعهم عن الإيمان ، قوله (وَشَهِدُوا) نصب على الحال من (كَفَرُوا) باضمار قد ، أي والحال أنهم قد شهدوا (أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ) أي صادق فيما يقول (وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) أي الشواهد (٥) من القرآن على صدقه (وَاللهُ لا يَهْدِي) أي لا يلطف (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [٨٦] أي المعاندين الذين علم أن اللطف لا ينفعهم ، وهذا القول فيمن أقام على كفره وداوم على ظلمه مصرا ليس له قصد الرجوع إلى الإسلام في قلبه وسره.
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨))
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ) مبتدآن ، والخبر (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) أي سخطه وطرده من رحمته (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [٨٧] خالِدِينَ فِيها) أي في اللعنة وهي العقوبة بالنار (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) أي لا يهون عليهم ساعة (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [٨٨] أي يمهلون.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩))
ثم استثنى التائبين من الكفر والمعصية بقوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي بعد الكفر والمعصية (وَأَصْلَحُوا) أي دخلوا في الصلاح بالتوبة والعمل الصالح (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [٨٩] بعد التوبة والإصلاح.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠))
ونزل في طائفة اليهود الذين آمنوا بمحمد عليهالسلام قبل البعثة لما رأوا صفته في كتابهم ثم ارتدوا (٦)(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد عليهالسلام (بَعْدَ إِيمانِهِمْ) بصفته (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) باصرارهم على ذلك بعد دعوتهم إلى الإيمان به أو الذين كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى عليهالسلام ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد عليهالسلام (٧)(لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) عن الكفر في مرض موتهم (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) [٩٠] عن طريق الهدى ، فماتوا على كفرهم كأنهم لم يتوبوا عنه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١))
ثم نزل فيمن أقاموا على كفرهم وماتوا عليه (٨)(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) وأدخل الفاء في (فَلَنْ يُقْبَلَ) ليدل على معنى الجزاء للشرط الذي تضمنه الموصول ، ويؤذن بأن سبب امتناع التوبة هو الموت على
__________________
(١) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٨٢ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ١ / ٥٠٣.
(٢) أي من المغبونين ، س : أي مغبونين ، ب م.
(٣) يلطف ، ب س : تلطف ، م.
(٤) تصميمهم ، ب : تصممهم ، س م.
(٥) الشواهد ، ب م : شواهد ، س.
(٦) عن أبي العالية ، انظر البغوي ، ١ / ٥٠٤ ؛ والواحدي ، ٩٧.
(٧) عن الحسن وقتادة وعطاء الخراساني ، انظر البغوي ، ١ / ٥٠٤ ؛ والواحدي ، ٩٧.
(٨) عليه ، ب س : عليهم ، م.