حولهم ، والأمن أيضا عطف بيان ل «الآيات» ك (مَقامُ إِبْراهِيمَ) من حيث المعنى ، تقديره : مقام إبراهيم وآمن داخله ، يعني من دخل فيه لا يهاج منه إذا وجب عليه القتل خارج الحرم ، فلذلك لا يقتص من الجاني في الحرم عند أبي حنيفة رضي الله عنه إذا التجأ إليه ، وقيل : آمنا من النار (١) ، قال عليهالسلام : «من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا» (٢) ، وقال عليهالسلام : «الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة» (٣) ، وقال عليهالسلام : «من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتي عام» (٤) ، ثم بين فرضية الحج بقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) بكسر الحاء وبالفتح (٥) بمعنى القصد ، أي استقر لله عليهم فرض حج بيته ، قوله (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) بدل البعض من الناس ، أي فرض الحج من استطاع إلى البيت سبيل الذهاب والرجوع ، والاستطاعة الزاد والراحلة ونفقة العيال بقدرهما مع التمكن ، وأوجبه مالك على الفقير القادر على المشي (وَمَنْ كَفَرَ) أي من ترك الحج بعد الوجوب عمدا أو لم ير الحج واجبا (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [٩٧] أي عمن حج وعمن لم يحج ، وفيه تغليظ على تارك الحج ، قال عليهالسلام : «من أمكنه الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» (٦) ، قيل : إنما خصهما بالذكر لأن الحج لم يكن مفروضا عليهما (٧).
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨))
ثم أمر نبيه عليهالسلام بأن يقول لجاحدي الحج بقوله (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) من اليهود والنصارى (لِمَ تَكْفُرُونَ) أي لم تجحدون (بِآياتِ اللهِ) أي بالقرآن والحج ونعت محمد عليهالسلام (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) [٩٨] من الجحود بها ، والواو فيه للحال ، أي والحال أن الله شهيد على أعمالكم فيجازيكم عليها.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩))
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ) أي لم تصرفون (٨) بتغييركم صفة محمد (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن دين الإسلام (٩)(مَنْ آمَنَ) أي من صدق (١٠) بالإسلام والحج ليرتابوا في نبوته ، ف «من» مفعول «تصدون» ، ومحل (تَبْغُونَها) حال ، أي تطلبون السبيل (عِوَجاً) أي ميلا عن الاستقامة بتلبيسكم إياها على الناس حتى توهموهم أن فيها عوجا بقولكم أن شريعة موسى عليهالسلام لا تنسخ وبتغييركم (١١) صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن وجهها (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) بأنها مستقيمة لعلمكم في التورية أن محمدا صادقا في دعواه (١٢) النبوة (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) عن ما (تَعْمَلُونَ) [٩٩] من كتمان صفته وتغييرها (١٣) بصفة أخرى ، قيل : «العوج بكسر العين يطلق على ما لا ينتصب قائما كالدين والقول والأرض وبفتح العين فيما ينتصب قائما كالرمح والحائط» (١٤).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (١٠٠))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً) نزل حين كان الكفار من اليهود تدعون بعض المسلمين إلى
__________________
(١) وهذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ١ / ١٨٩.
(٢) انظر الكشاف ، ١ / ١٨٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجتعها.
(٣) انظر الكشاف ، ١ / ١٨٩. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجتعها.
(٤) انظر الكشاف ، ١ / ١٨٩. وذكره إسمعيل بن محمد العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الألباس ، بيروت ، ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، ٢ / ٣٣٦ ؛ ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجتعها.
(٥) «حج» : قرأ حفص والأخوان وخلف وأبو جعفر بكسر الحاء والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٦٨.
(٦) انظر الكشاف ، ١ / ١٨٩. ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.
(٨) أي لم تصرفون ، م : أي تصرفون ، ب س.
(٩) أي عن دين الإسلام ، س م : أي دين الإسلام ، ب.
(١٠) أي من صدق ، س : أي تصدق ، ب م.
(١١) وبتغييركم ، ب س : وبتغيركم ، م.
(١٢) دعواه ، ب س : دعوة ، م.
(١٣) تغييرها ، ب : تغيرها ، س م.
(١٤) عن أبي عبيدة ، انظر البغوي ، ١ / ٥١٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٢٨٧.