دينهم (١) ، أي إن تطيعوا طائفة (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وهم رؤساء اليهود (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) [١٠٠] نصب على الحال من «كم» ، لأنهم يريدون كفركم.
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١))
ثم قال مستفهما توبيخا وتعجيبا (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) أي تجحدون بوحدانية الله تعالى وبمحمد والقرآن (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) على لسان رسوله بالوحي غضة طرية مع ما فيها من الحكم والبينات (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) أي بين ظهرانيكم نبيه ينبهكم ويعظكم ، قيل : يجوز أن يكون هذا خطابا للصحابة خاصة ، لأنهم يشاهدونه وأن يكون لجميع الأمة لأن آثاره والقرآن الذي أتى به فيهم فكان الرسول حاضر لديهم وإن لم يشاهدوه (٢)(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) أي ومن (٣) يلتجئ إليه أو يتسمك بدينه (فَقَدْ هُدِيَ) أي وفق وأرشد (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [١٠١] يوصل سالكه إلى الجنة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢))
قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) أي حق خوفه بأن يطاع فلا يعصى طرفة عين وأن يشكر على نعمه ولا يكفر وأن يذكر ولا ينسى ، نزل حين تفاخر الأنصار من الأوس والخزرج وكان الغلبة للأوس فأخذوا السلاح ليقاتلوا مع الخزرج ، ثم قالوا : يا رسول الله! من يقوي على هذا الحكم فنزل قوله (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(٤) ، فنسخ ذلك (٥) ، ثم نهاهم عن مفارقة الإسلام بقوله (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [١٠٢] أي كونوا ثابتين على دين الإسلام بحال يلحقكم الموت وأنتم على الإسلام.
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣))
ثم أكده (٦) بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) أي تمسكوا بدينه أو بالقرآن (جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) أي لا تختلفوا في الدين بعد الإسلام كاختلاف اليهود والنصارى ، ثم ذكر نعمته التي أنعمها عليهم بتبديل العداوة السابقة الطويلة بالألفة والمحبة بسبب الإسلام واتباع الرسول وانتقاله من مكة إليهم منة عليهم بقوله (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) أي أنعامه (عَلَيْكُمْ) أيها الأنصار (إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) قبل الإسلام (فَأَلَّفَ) أي جمع (بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام توددا (فَأَصْبَحْتُمْ) أي فصرتم (بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) في الدين (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ) أي على طرف (٧) حفرة في الجاهلية (مِنَ النَّارِ) لو متم على ما كنتم عليه لوقعتم في النار (فَأَنْقَذَكُمْ) أي أنجاكم بالإسلام واتباع النبي عليهالسلام (مِنْها) أي من النار في الحفرة ، وشفة الشيء وشفاه جانبه (كَذلِكَ) أي مثل ذلك البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) من الأمر والنهي (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [١٠٣] أي لكي تنجوا من الضلالة وتعرفوا الحق بهذه النعمة.
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤))
ثم أمر الله للناس بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر ، فقال تأكيدا بلام الأمر (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي لتقم منكم جماعة (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) أي إلى جميع الخيرات من الإسلام وغيره ، والدعاء إلى الخير عام في
__________________
(١) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٨٧.
(٢) عن الزجاج ، انظر السمرقندي ، ١ / ٢٨٧.
(٣) أي ومن ، س : أي من ، ب م.
(٤) التغابن (٦٤) ، ١٦.
(٥) لعل المؤلف اختصره من السمرقندي ، ١ / ٢٨٨ ؛ والبغوي ، ١ / ٥١٨.
(٦) أكده ، م : أكد ، ب س.
(٧) طرف ، س م : حرف ، ب.