الجاهلية ، وهو أن محمدا قد قتل أو (١) أن الله لا ينصره ، والجملة في محل النصب على الحال (٢) من الضمير في («أَهَمَّتْهُمْ» (يَقُولُونَ) للنبي عليهالسلام (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ) أي أمر النصرة (مِنْ شَيْءٍ) و (مِنْ) زائدة فيه ، وهو مبتدأ ، خبره (مِنَ الْأَمْرِ) ، و (لَنا) تبيين ، والجملة بدل من «يظنون» بدل اشتمال ، لأن سؤالهم كان صادرا عن الظن ، ويجوز أن يكون (يَقُولُونَ) استئنافا (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ) بالرفع (٣) مبتدأ ، خبره (لِلَّهِ) والجملة خبر «إن» ، وبالنصب (٤) تأكيدا للاسم ، أي جميع الأمر لله من النصرة والغلبة ولأوليائه المؤمنين ، قال تعالى : وإن جندنا لهم الغالبون ، فأنكروا ذلك فأخبر الله بقوله (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) أي ما لا يظهرون من قولهم (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) كما قال محمد : إن الأمر لله ولأوليائه (ما قُتِلْنا هاهُنا) أي لما قتل أحد من المسلمين في هذه المعركة (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) أي لو قعدتم فيها وما خرجتم إلى الغزو (لَبَرَزَ) أي لخرج (الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) في اللوح المحفوظ أو في علمه تعالى (إِلى مَضاجِعِهِمْ) أي إلى مصارعهم ، وقتلوا فيها ، لأن معلوم الله لا بد من وجوده كيف ما كان مقدورا (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ) أي ليختبر (ما فِي صُدُورِكُمْ) من الإخلاص ، عطف على علة محذوفة لفعل محذوف ، أي فعل ذلك لمصالح كثيرة وليبتلي ما في صدوركم (وَلِيُمَحِّصَ) أي يطهر (٥)(ما فِي قُلُوبِكُمْ) من وساوس الشيطان (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [١٥٤] أي بما في القلوب من الخير والشر.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))
قوله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا) أي أعرضوا وانهزموا (مِنْكُمْ) نزل توبيخا لمن خالفوا أمر النبي عليهالسلام ، وتركوا المركز فانهزم المسلمون بأحد (٦)(يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) من المسلمين والكافرين (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) أي طلب زلتهم بتسويله المخالفة وترك المركز (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) أي بسبب بعض ذنوب (٧) صدرت منهم قبل ، لأن الذنوب تجر (٨) إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة ، ولم يؤاخذهم الله بجميعها ، لأنه عفوّ يعفو عن كثير ، ثم طيب قلوبهم بعد التوبيخ بقوله (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) لتوبتهم واعتذارهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للذنوب (حَلِيمٌ) [١٥٥] لا يعجل على العصاة بالعقوبة ، لأنه لا يخاف الفوت.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦))
ثم قال تحذيرا لهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي كالمنافقين (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) أي لأجل إخوانهم بزعمهم (إِذا ضَرَبُوا) أي حين سافروا (فِي الْأَرْضِ) لتجارة أو غيرها فماتوا في سفرهم (أَوْ كانُوا غُزًّى) جمع غاز كصائم وصوم ، أي خرجوا إلى الغزو فقتلوا (لَوْ كانُوا عِنْدَنا) بالمدينة (ما ماتُوا) في سفرهم (وَما قُتِلُوا) في الغزو (لِيَجْعَلَ) أي ليصير (اللهُ ذلِكَ) أي قالوا ما قالوا لهم واعتقدوه ليجعل الله ذلك القول والاعتقاد (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) أي في قلوب المنافقين وندامة في العاقبة أما في الدنيا أو في الآخرة ، فاللام لام العاقبة كما في قوله (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(٩)(وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) في السفر والحضر بقضائه ومشيته ، فهو
__________________
(١) أو ، ب م : و ، س.
(٢) علي الحال ، س م : ـ ب.
(٣) بالرفع ، ب م : ـ س.
(٤) «كله» : قرأ البصريان برفع لام «كله» ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ٧٢.
(٥) أي يطهر ، ب س : أي يظهر ، م.
(٦) لعل المفسر اختصره من البغوي ، ١ / ٥٧٠.
(٧) ذنوب ، س م : ذنوبهم ، ب.
(٨) تجر ، س : يجر ، س م.
(٩) القصص (٢٨) ، ٨.