رد لقولهم ، لأن الأمر بيده (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [١٥٦] بالتاء والياء (١) ، فلا تكونوا مثل هؤلاء المنافقين.
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧))
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي والله إن قتلتم في الغزو لله (أَوْ مُتُّمْ) في بكسر الميم ، من مات يمات ، وبضمها (٢) من مات يموت ، وأنتم مؤمنون (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) لذنوبكم بسببه (وَرَحْمَةٌ) أي ونعيم الجنة ، مبتدأ ، خبره (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [١٥٧] بالتاء والياء (٣) ، من حطام الدنيا في إقامتكم ، والجملة الاسمية ساد مسد جواب القسم المحذوف والشرط ، والمعنى : أن موتكم وقتلكم في سبيل الله وجهاده مع نيلكم المغفرة والرحمة من الله أفضل مما تجمعون من الأموال في الدنيا الفانية بالتقاعد والجبانة لأجله عن الجهاد في سبيل الله يا معشر المنافقين.
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨))
ثم أكد ذلك بقوله (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) في سبيل الله (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) [١٥٨] أي لإلى الرحيم الواسع المغفرة والرحمة تبعثون بعد الموت ، فيجازيكم بالثواب العظيم لا إلى غيره فتظلمون.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩))
قوله (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) إظهار لكثرة شفقة النبي عليهالسلام على أمته مع ذكر منته تعالى عليه بتوفيقه إياه للرفق والتلطف بهم ، و «ما» زائدة للتوكيد والدلالة على اختصاص لينه (٤) لهم برحمة الله تعالى ، أي فبرحمة منه تعالى لطفت بهم يا محمد وسهلت أخلاقك لهم حين عصوك وخالفوك (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) أي كريه الخلق (غَلِيظَ الْقَلْبِ) أي جافيه (٥) ، خشن القول (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) أي لتفرقوا من عندك ، ولكن الله جعلك بارا ، رحيم القلب ، لينا لطيفا بهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ) أي تجاوز عن فعلهم بأحد (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أي اطلب المغفرة مني لذنوبهم ، يعني اشفع لهم حتى أشفعك (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) أي في أمر الحرب وغيره تطييبا (٦) لقلوبهم أو استظهارا برأيهم فيما لم ينزل عليك وحي فيه ، قال عليهالسلام : «ما شقى عبد قط بمشورة وما سعد باستغناء رأي» (٧)(فَإِذا عَزَمْتَ) على فعل بعد المشاورة ووضوح الرأي (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) لا على المشاورة ولا على أصحابها في إمضاء أمرك على الأرشد الأصلح (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [١٥٩] عليه لا على غيره.
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠))
ثم أخبر أن النصرة كلها منه تعالى بقوله (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) كما في يوم بدر (فَلا غالِبَ لَكُمْ) من العدو (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) كما خذلكم في يوم أحد (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ) أي يمنعكم من عدوكم (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد خذلانه (وَعَلَى اللهِ) وحده (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [١٦٠] في النصرة (٨) ، وقيد المؤمنين ، لأنهم عرفوا أنه لا ناصر لهم غيره وهذا تنبيه على أن الأمر كله له وعلى وجوب التوكل عليه.
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١))
__________________
(١) «تعملون» : قرأ المكي والأخوان وخلف بالياء التحتية ، والباقون بالتاء الفوقية. البدور الزاهرة ، ٧٢.
(٢) «متم» : قرأ نافع والأخوان وخلف بكسر الميم ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٧٢.
(٣) «تجمعون» : قرأ حفص بياء الغيب ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٧٢.
(٤) لينه ، ب : لينة ، س م.
(٥) جافيه ، ب م : جافيا ، س.
(٦) تطييبا ، ب س : تطيبا ، م.
(٧) انظر السمرقندي ، ١ / ٣١١. ولم اعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٨) في النصرة ، ب م : ـ س.