والحديث كانوا من (١) قبل بعثة الرسول (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [١٦٤] أي ظاهر لا شبهة فيه ، ف «إن» فيه هي المخففة ، واللام هي الفارقة بينها وبين «إن» النافية.
(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥))
قوله (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ) الهمزة فيه للتقرير والتقريع ، دخلت على الواو العاطفة على محذوف ، تقديره : أفعلتم كذا من الفشل والتنازع ، ولما أصابتكم بأحد (مُصِيبَةٌ) بقتل سبعين منكم والهزيمة ، وصفة «مصيبة» (قَدْ أَصَبْتُمْ) ببدر (مِثْلَيْها) بقتل سبعين وأسر سبعين منهم (قُلْتُمْ) تعجبا ، وهو عامل في «لما» بمعنى حين (أَنَّى هذا) أي من أين هذا الخذلان لنا ، ونحن موعودون بالنصرة بسبب إيماننا (قُلْ هُوَ) أي الخذلان (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) أي بسبب اختياركم الخروج من المدينة وإلحاحكم في ذلك نبيكم عليهالسلام أو لتخليتهم (٢) وترك المركز أو لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم ، لا من عند الله واختياره بلا جزم منكم (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [١٦٥] من النصر ومنعه وعلى أن يصيبكم تارة ويصيب منكم مرة أخرى.
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (١٦٦))
قوله (وَما أَصابَكُمْ) مبتدأ متضمن معنى الشرط ، أي الذي أصابكم من مصيبة كالقتل والهزيمة (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع المسلمين وجمع الكافرين ، وخبر المبتدأ قوله (فَبِإِذْنِ اللهِ) أي فهو كائن بتخليته (٣) وإرادته (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) [١٦٦] أي وهو كائن ليميزهم من غيرهم باخلاصهم وثباتهم.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٧))
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) أي وهو كائن ليظهرهم (٤) بنفاقهم وقلة صبرهم ، قوله (وَقِيلَ لَهُمْ) عطف على «نافقوا» تحقيقا لنفاقهم للمؤمنين ، أي قيل لابن أبي وأصحابه حين قعدوا عن الحرب (٥) وانقطعوا عن أحد (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أعداءه (أَوِ ادْفَعُوا) عن أنفسكم وحرمكم إن لم تقاتلوا لوجه الله أو ادفعوا القوم بتكثيركم سواد المسلمين ، لأن كثرة السواد مما يخوف العدو وتكسر حدته (قالُوا) في الجواب (لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً) أي قتالا حقا (لَاتَّبَعْناكُمْ) فيه ، ولكنه إلقاء النفس إلى التهلكة ، فليس بقتال حق لخطأ رأيكم ، فأظهر (٦) الله تعالى كذبهم بقوله (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ) أي هم لأهل الكفر أقرب نصرة (مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أي لأهل (٧) الإيمان ، فاللام في (لِلْكُفْرِ) و (لِلْإِيمانِ) متعلق ب (أَقْرَبُ) ، وهي على بابها ، وقيل بمعنى إلى (٨) ، يعني ميلهم إلى الكفر يومئذ أقرب من ميلهم إلى الإيمان لظهور (٩) علامة الكفر فيهم لا نخزالهم من (١٠) عسكر المسلمين المجاهدين في سبيل الله (يَقُولُونَ) أي القائلين (١١)(بِأَفْواهِهِمْ) أي بألسنتهم (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فهو حال من الضمير في («أَقْرَبُ» (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) [١٦٧] من الكفر والنفاق.
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨))
قوله (الَّذِينَ قالُوا) خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين قالوا (لِإِخْوانِهِمْ) أي لأجل إخوانهم في سكنى الدار
__________________
(١) من ، م : ـ ب س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢١١.
(٢) أو لتخليتهم ، س : ـ ب م.
(٣) بتخليته ، ب س : بتخليقه ، م ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢١١.
(٤) ليظهرهم ، ب م : ليظهر ، س.
(٥) عن الحرب ، ب م : ـ س.
(٦) فأظهر ، س : فأظهره ، ب م.
(٧) لأهل ، س م : أهل ، ب.
(٨) أخذه عن البغوي ، ١ / ٥٧٨.
(٩) لظهور ، ب : بظهور ، س م.
(١٠) من ، ب م : عن ، س.
(١١) القائلين ، ب م : قائلين ، س.