لا في الدين ، وهم شهاداء أحد (وَقَعَدُوا) أي وقد قعدوا عن القتال في المدينة ، والواو للحال (لَوْ أَطاعُونا) في القعود عن الجهاد والانصراف عن محمد عليهالسلام (ما قُتِلُوا) بالتخفيف والتشديد (١) ، ثم قال تعالى لنبيه توبيخا وتعجيزا لهم (قُلْ فَادْرَؤُا) أي ادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) إذا حضر برأيكم وحيلكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٦٨] في مقالتكم من أن القعود عن القتال سبب النجاة من الموت لا غيره ، لأنه يجوز أن يكون القتال سببا للنجاة ، ولو لم يقاتل رجل (٢) لقتل وله أسباب أخر ، فما يدرككم أن سببها القعود ، وإن الحذر لا ينجي من القدر ، وقيل : لما نزلت هذه الآية مات يومئذ سبعون نفسا (٣) من المنافقين (٤) في المدينة (٥).
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩))
ثم نزل في شهداء بدر وأحد وغيرهم قوله (٦)(وَلا تَحْسَبَنَّ) بالتاء والياء (٧) والفاعل النبي عليهالسلام أو غيره ، أي لا يظنن النبي (الَّذِينَ قُتِلُوا) بالتخفيف والتشديد (٨)(فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته (أَمْواتاً بَلْ) هم (أَحْياءٌ) مقربون (عِنْدَ رَبِّهِمْ) وهو عطف جملة على جملة ، والغرض الإعلام بحياتهم ترغيبا في الجهاد ولو عطف «أحياء» على «أموات» لاختل المعنى ، لأنه يصير التقدير : لا تحسبنهم أحياء ، المعنى : أنهم يتنعمون (٩) كالأحياء عند ربهم (يُرْزَقُونَ) [١٦٩] مثل ما يرزق سائر الأحياء من المآكل والمشارب ، وهو تأكيد لكونهم أحياء.
(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠))
(فَرِحِينَ) أي معجبين (بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) من التوفيق في الشهادة والكرامة والفضيلة على غيرهم (وَيَسْتَبْشِرُونَ) أي وهم يطلبون البشارة (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) أي باخوانهم الذين لم يقتلوا وبقوا بعدهم ، ومحل قوله (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) جر بدل من «الذين» ، أي يستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين من عدم خوف لهم فيما يستقبلهم من البعث يوم القيامة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [١٧٠] أي ومن عدم حزنهم على ما خلفوا في الدنيا ، يعني يفرحون يومئذ بسلامة إخوانهم الباقين بعدهم حيث وصلوا إليهم آمنين ، وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن بعدهم بعث (١٠) للمؤمنين الباقين على ازدياد الطاعة والجد في الجهاد والرغبة في منازل الشهداء.
(يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١))
ثم كرر الاستبشار للتأكيد بقوله (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ) أي بجنة (مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ) أي بكرامة فيها (وَأَنَّ) بالفتح ، أي وبأن (اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [١٧١] وبالكسر (١١) على الاستئناف ، أي ثواب أعمالهم الحسنة ، روي عن عليهالسلام : «السيوف مفاتيح الجنة» (١٢) ، وعنه أيضا : «الشهيد يشفع في سبعين من أهله» (١٣) ، وعنه أيضا : «أرواح الشهداء في جوف طير خضر تدور في الجنة وتأكل من ثمارها ، ثم تأوي إلى قناديل من ذهب
__________________
(١) «ما قتلوا» : قرأ هشام بتشديد التاء والباقون بتخفيفها. البدور الزاهرة ، ٧٢.
(٢) رجل ، م : ـ ب س.
(٣) نفسا ، م : ـ ب س ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣١٤.
(٤) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٣١٤.
(٥) في المدينة ، م : ـ ب س.
(٦) اختصره من البغوي ، ١ / ٥٧٩ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١١٠ ، ١١١.
(٧) «ولا تحسبن» : قرأ هشام بخلف عنه بياء الغيب ، والباقون بتاء الخطاب. البدور الزاهرة ، ٧٢.
(٨) «قتلوا» : قرأ ابن عامر بتشديد التاء ، والباقون بتخفيفها. البدور الزاهرة ، ٧٣.
(٩) يتنعمون ، ب س : تنعمون ، م.
(١٠) بعث ، ب س : حث ، م.
(١١) «وأن» : قرأ الكسائي بكسر الهمزة ، والباقون بفتحها. البدور الزاهرة ، ٧٣.
(١٢) انظر السمرقندي ، ١ / ٣١٥. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(١٣) أخرج أبو داود نحوه ، الجهاد ، ٢٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣١٥.