لأن الزوج إنما استحق فرضه بحق العقد لا بالقرابة فأشبه الوصية في قسمة ما وراء فرضه ، ولأنها لو ضرب لها ثلث الكل لأدى إلى حط نصيب الأب عن نصيبها ، وهو أقوى في الإرث من الأم (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) أي إن كان (١) للميت إخوة اثنان فصاعدا لاتفاق الصحابة على إطلاق اسم الإخوة على اثنين فصاعدا (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) إلا أن ابن عباس قال : «لا تحجب (٢) الأم من الثلث إلى السدس إلا بثلثة إخوة» (٣) ، واتفقوا أن الذكور والإناث فيه سواء فتأخذ الأم السدس ويكون الباقي للأب ، قوله (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) يتعلق بما سبق من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وحده ، كأنه قال : قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية (يُوصِي بِها) الميت ، قرئ مجهولا ومعلوما مخففا (٤)(أَوْ دَيْنٍ) أي أو بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية (٥) ، و «أو» فيه للإباحة لا للترتيب ، لأنها وضعت لأحد الأمرين ، ولا ترتيب في الواحد (٦) نحو ادع زيدا أو عمروا ، والدين مقدم على الوصية والميراث بالإجماع ، وإنما قدمت (٧) الوصية على الدين هنا لفظا ليدل على وجوب المسارعة إلى إخراجها ، لأن الوصية كالميراث في الأخذ بغير عوض فيثقل إخراجها على الورثة بخلاف الدين ، فانه ليس كالميراث ، لأنه أخذ بعوض مقدم فيسهل إخراجه عليهم ، قوله (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ) فيه حث على قضاء الدين وتنفيذ الوصية ، أي آباؤكم وأبناؤكم الذين يموتون فترثون (٨) أموالهم لا تعلمون (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) تمييز ، والجملة في محل النصب ب (تَدْرُونَ) ، أي أنتم لا تعلمون أيهم من الأب والابن أنفع لكم أمن أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بامضاء وصيته أم من لم يوص وترك الوصية ليكثر عليكم عرض الدنيا ، والله عالم أيهم أنفع لكم فجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر لكم بامضاء وصية الموصي من عرض الدنيا الذي لم يوصه لأجل نفعكم ذهابا إلى حقيقة الأمر ، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلا قريبا في الصورة إلا أنه فان لا بقاء له ، فيكون أبعد في الحقيقة وثواب الآخرة وإن كان آجلا إلا أنه باق لا زوال له فيكون أقرب في الحقيقة ، فلذلك شرع الوصية وأوجب إخراجها بالسرعة قبل قسمة التركة ، والجملة من (آباؤُكُمْ) إلى قوله (نَفْعاً) جملة اعتراضية مؤكدة للوصية و «إخراجها» لا محل له من الإعراب ، قوله (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) نصب على المصدر للتأكيد ، أي فرض الله الميراث فريضة لا يجوز تغييرها (إِنَّ اللهَ كانَ) في الأزل (عَلِيماً) بمصالح خلقه (حَكِيماً) [١١] في كل ما فرض وقسم من المواريث لأهلها ، وهو الآن على ما كان عليه.
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢))
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) إذا متن وبقيتم بعدهن (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) منكم أو من غيركم ذكر أو أنثى أو ولد ابن (٩)(فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) أي تركت أزواجكم (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) أي من بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصية (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) أي إذا متم (١٠) وبقيت أزواجكم بعدكم (إِنْ
__________________
(١) أي إن كان ، ب م : أي كان ، س.
(٢) لا تحجب ، ب : لا يحجب ، س م.
(٣) انظر الكشاف ، ١ / ٢٣٣.
(٤) «يوصي» : قرأ المكي والشامي وشعبة بفتح الصاد وألف بعدها ، والباقون بكسرها وياء بعدها. البدور الزاهرة ، ٧٦.
(٥) وإنفاذ الوصية ، م : ـ ب س.
(٦) في الواحد ، ب س : لواحد ، م.
(٧) قدمت ، ب م : قدم ، س.
(٨) فترثون ، س م : وترثون ، ب.
(٩) ولد ابن ، ب م : ولد الابن ، س.
(١٠) أي إذا متم ، س : أي إن متم ، م ، إن متم ، ب ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٣٨.