(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤))
قوله (وَالْمُحْصَناتُ) عطف على (أُمَّهاتُكُمْ) ، نزل في مسلمات هاجرن من مكة ولهن أزواج فيها فتزوجهن بعض المسلمين نهيا عن ذلك (١) ، أي وحرم الحرائر المزوجات التي قد أحصنهن أزواجهن (مِنَ النِّساءِ) لأن البينونة لم يقع لهن بتّا بين الدارين ، وهذا حجة للشافعي ، لأن سبب البينونة عنده السبي فقط ، وعند أبي حنيفة رحمهالله لو هاجرن (٢) مسلمات أو ذميات وقعت البينونة لهن بلا عدة لتباين الدارين (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من سبايا فانها حلال لكم فالإستثناء متصل ، أي حرم عليكم ذوات الأزواج الذين هم في دار الحرب إلا المسبيات منهن فهي حلت لكم بمجرد السبي عند الشافعي وعند غيره بالإحراز عن دار الحرب إلى الإسلام بدون الزوج ، روي : أن المسلمين أصابوا يوم أوطاس سبايا لهن أزواج من المشركين في دار الحرب فتأثم المسلمون منهن ، وقالوا لهن أزواج فأنزل الله الآية فيهن (٣) ، فحل للرجل مسبية إذا استبرأ رحمها بحيضة ، وقيل : «معنى الآية حرم المحصنات من النساء وهي كل امرأة ليست تحتكم إلا ما تزوجتم من النساء مثنى وثلاث ورباع» (٤) ، ثم قال (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وهو مصدر مؤكد ، أي كتب الله ما حرم عليكم كتابا فلا تغيروه ، ثم قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) معلوما ومجهولا (٥) على المضمر العامل في (كِتابَ اللهِ) ، أي كتب ذلك وأحل لكم من سوى المحرمات المذكورة ، ومجهولا معطوفا (٦) على «حرمت» ، فالله تعالى بين المحرمات من قوله (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) إلى قوله (وَالْمُحْصَناتُ) ، وهن أربعة عشرة سبع بالنسب وسبع بالسبب ، ثم بين المحللات بقوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ، فظاهر الآية يدل (٧) على جواز ما سوى المحرمات بالنكاح ، لكن رسول الله عليه وسلم قال : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٨) ، أي يحرم النكاح بين الرجل والمرأة بالرضاع كما يحرم بينهما بالنسب ، وهو نص مطلق يتناول الأم والأخت والبنت وغيرها من الرضاع ، وقال لا تنكح (٩) المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا ينكح (١٠) الأمة على الحرة فوجب اتباعه لقوله تعالى (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(١١) ، قوله (أَنْ تَبْتَغُوا) في محل النصب مفعول له ، ومفعوله (١٢) محذوف ، أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأن تطلبوا النساء (بِأَمْوالِكُمْ) حال كونكم (مُحْصِنِينَ) أي متزوجين ، وأصل الإحصان الحفظ ، والمراد هنا العفة عن الوقوع في الحرام بدليل قوله (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي غير زانين ، من قولك سفحت الماء إذا صببته وهو المني ، والمعنى (١٣) : لا تضيعوا أموالكم في الزنا لئلا يذهب دينكم ودنياكم ولكن تزوجوا بالنساء فهو خير لكم (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) أي فالذي انتفعتم به من النساء بالنكاح الصحيح من الجماع أو خلوة صحيحة أو غير ذلك (فَآتُوهُنَّ) أي أعطوهن (أُجُورَهُنَّ) أي ما شرطتم لهن من المال عليه ، أي على الاستمتاع ، فحذف عليه للعلم به (فَرِيضَةً) نصب على الحال من الأجور ، أي حال كونها مفروضة لهن عليكم ، والمراد مهورهن ، لأن المهر جزاء البضع ، فلا بد من إيتائه بالاستمتاع بهن ، وقيل : نزل هذا في ترخيص نكاح المتعة في بعض المغازي (١٤) ،
__________________
(١) عن أبي سعيد الخدري ، انظر الواحدي ، ١٢٥ ـ ١٢٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٤١.
(٢) لو هاجرن ، س م : لو جاهرت ، ب.
(٣) عن أبي سعيد الخدري ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٥.
(٤) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٥.
(٥) «وأحل» : قرأ حفص والأخوان وخلف وأبو جعفر بضم الهمزة وكسر الحاء ، والباقون بفتحهما. البدور الزاهرة ، ٧٨.
(٦) معطوفا ، ب م : معطوف ، س.
(٧) يدل ، ب م : بدل ، س.
(٨) أخرجه البخاري ، الشهادات ، ٧ ، والنكاح ، ٢٠ ، ٢٧ ، ١١٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٣٨.
(٩) لا تنكح ، س م : لا ينكح ، ب.
(١٠) ولا ينكح ، ب م : ولا تنكح ، س.
(١١) الحشر (٥٩) ، ٧.
(١٢) ومفعوله ، س م : والمفعول ، ب.
(١٣) والمعنى ، ب م : المعنى ، س.
(١٤) عن ابن مسعود ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٤٦ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٠.