أخطب وأصحابه ، قوله (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) نزل فيمن يكتم نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنا ويتفاقروا (١) إلى الناس كيلا يخرجوا حق الله الذي أمرهم به (٢) ، وقيل : فيمن كتم العلم أو صفة النبي عليهالسلام كرؤساء اليهود (٣)(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) [٣٧] أي شديدا يهانون به.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨))
قوله (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) عطف على (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ، نزل في المنافقين (٤) أو المنفقين على عداوة الرسول عليهالسلام يوم بدر من المشركين واليهود (٥) ، أي الذين يتصدقون جهرا مرائين الناس ، مصدر (٦) في موضع الحال أو مفعول له (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) في السر فقرينهم الشيطان الذي حملهم على ذلك العمل يقرن بهم في النار (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) في النار بالسلسلة (فَساءَ قَرِيناً) [٣٨] أي بئس صاحب الشيطان (٧).
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩))
ثم استفهم للتوبيخ والتجهيل بقوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ) أي أي وبال يكون عليهم في الإيمان والإنفاق (لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) مكان الشرك والنفاق (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ) من الأموال مكان البخل في غير رياء ، يعني لا يضرهم ذلك بل ينفعهم في الدنيا والآخرة ، ثم يهددهم بقوله (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) [٣٩] بأنهم لم يؤمنوا فلا يثيبهم الله بما ينفقونه من الأموال رياء الناس.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠))
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ) أحدا (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي وزن نملة صغيرة أو قدر ما يظهر من أجزاء الهباء في شعاع الشمس في الكوة ، وهو أنفى للظلم ، إذ لا وزن له ، يعني لا ينقص من ثواب أعمالهم شيئا لو عملوها بالإخلاص لاستحالته عليه في الحكمة لا لاستحالته في القدرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) بحذف النون تخفيفا لكثرة الاستعمال وبرفع «حسنة» على أن «كان» تامة ، وبنصبها (٨) على أنها ناقصة ، وأنث «مثقال» بالإضافة إلى ذرة ، أي إن تكن مثقال ذرة حسنة (يُضاعِفْها) أي يزدها الله أضعافا كثيرة (وَيُؤْتِ) أي يعط (مِنْ لَدُنْهُ) أي من عنده من غير استحقاق (أَجْراً عَظِيماً) [٤٠] أي عطاء كثيرا ، لا يقدر قدره غير الله لكثرته ، وسماه أجرا ، لأنه تابع للأجر لا يثبت إلا بثباته ، وقيل : هو الجنة (٩) ، قال عليهالسلام : «إن الله يعطي لعبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة» (١٠).
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً (٤٢))
__________________
(١) ويتفاقروا ، س : ويتفاقر ، ب ، م.
(٢) لعل المؤلف اختصره من البغوي ، ٢ / ٦٥ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٦ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٩.
(٣) نقله عن البغوي ، ٢ / ٦٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٢٩.
(٤) عن السدي ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٦.
(٥) اختصره المصنف من السمرقندي ، ١ / ٣٥٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ؛ والكشاف ، ١ / ٢٤٦.
(٦) مرائين الناس مصدر ، ب س : مرائين الناس فرياء الناس مصدر ، م.
(٧) صاحب الشيطان ، س م : صاحبا الشيطان ، ب.
(٨) «حسنة يضاعفها» : قرأ نافع برفع التاء في حسنة مع المد والتخفيف في «يضاعفها وقرأ المكي وأبو جعفر بالرفع في «حسنة» مع القصر والتشديد في «يضاعها» وقرأ الشامي ويعقوب بنصب «حسنة» مع القصر والتشديد في «يضاعفها» ، وقرأ البصري والكوفيون بالنصب في «حسنة» مع المد والتخفيف في «يضاعفها». البدور الزاهرة ، ٧٩ ـ ٨٠.
(٩) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٥.
(١٠) رواه أحمد بن حنبل ، ٢ / ٥٢١ ، ٥٢٢ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٤٦.