نفوس الزوجين تسكن (١) إليهما وتبرز إليهم ما في ضمائرهما عن حب أحدهما الآخر وبغضه (إِنْ يُرِيدا) أي الزوج والزوجة (إِصْلاحاً) لحالهما ، وقيل : إن يرد الحكمان إصلاحا لحال الزوجين (٢)(يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أي بين الزوجين بالصلاح ويبدل الوفاق بالشقاق ، والحب بالبغض أو بين الحكمين فيظهر لهما مصلحة الزوجين فان رأيا الجمع بالتفتيش عن حال الزوجين جمعا بينهما ، وإن رأيا التفريق فرقا (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بالتأليف بين المختلفين (خَبِيراً) [٣٥] بنصيحة الحكمين ، قيل : في هذه الآية دلالة على إثبات التحكيم خلافا للخوارج (٣) ، قيل : يجوز بعث الحكمين بغير رضا الزوجين وأن يطلق حكم الزوج بغير إذنه وأن يختلع حكم الزوجة بغير إذنها مرويا عن مالك (٤) ، وقيل لا يجوز البعث بغير رضاهما ولا الطلاق بغير إذن الزوج ولا الاختلاع بغير إذن الزوجة مرويا عن أبي حنيفة وأصحابه (٥).
(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧))
ثم خاطب الناس جميعا من المؤمنين والمنافقين والكفار بقوله (وَاعْبُدُوا اللهَ) أي أطيعوه فيما أمركم به واثبتوا في عبادته بالإخلاص (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي وحدوه ظاهرا وباطنا (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي وأحسنوا بهما برا بالأنفس والأموال من غير منة عليهما ، وفيه بيان حرمة الوالدين حيث قرن (٦) الإحسان بهما بعبادة نفسه ، قال عليهالسلام : «ما من ولد نظر إلى والديه نظر رحمة إلا كانت بها حجة وعمرة» (٧)(وَبِذِي الْقُرْبى) أي وأحسنوا بالذي بينكم وبينه قرابة سوى الولادة (٨) كالأخ والعم وغيرهما (وَالْيَتامى) أي وأحسنوا بالأيتام بالقيام على أموالهم ، وهو خطاب للأوصياء (وَالْمَساكِينِ) أي وأحسنوا إليهم بالصدقة وإطعام الطعام (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) أي وأحسنوا إلى الجار الذي بينكم وبينه قرابة ، وهو من باب (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(٩) أو الجار الذي قرب جواره في المنزل (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي وأحسنوا إلى الجار البعيد من المنزل (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) أي وأحسنوا بالرفيق في السفر أو بمن يصحبكم طالبا للنفع منكم ، وقيل : «هي المرأة التي تصاحب جنبها جنب زوجها» (١٠)(وَابْنِ السَّبِيلِ) أي بالمسارف المنقطع عن السفر لفقره (١١) أو الضيف ، فحقه ثلثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة ، ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يخرجه (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من المماليك والخدم ، يعني أحسنوا إلى جميع هؤلاء تثابوا وتغفروا (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً) أي تياها يتكبر في مشيته من إكرام أقاربه ومماليكه ولا يلتفت إليهم (فَخُوراً) [٣٦] بنعم (١٢) الله لا يشكره ويتكبر على الناس.
قوله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بفتح الباء والخاء وبضم الباء وسكون الخاء (١٣) ، مبتدأ ، خبره محذوف ، أي يعذبون بالعذاب المهين أو هم الذين أو بدل من «من كان» ، جمع نظرا إلى المعنى ، نزل فيمن كان عادتهم الأخذ والمنع والأمر للغير بعملهم (١٤) ، لأن من يعصي ربه يأمر بفعله غيره كي لا يظهر عيبه كحيي بن
__________________
(١) تسكن ب م : يسكن ، س.
(٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٥٢ ؛ والبغوي ، ٢ / ٦٠.
(٣) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٣٥٢.
(٤) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٢ / ٦١.
(٥) نقله عن البغوي ، ٢ / ٦٠.
(٦) قرن ، س م : قارن ، ب.
(٧) ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٨) الولادة ، ب م : الولاد ، س.
(٩) البقرة (٢) ، ٢٣٨.
(١٠) عن علي وعبد الله والنخعي ، انظر البغوي ، ٢ / ٦٣.
(١١) لفقره ، م : بفقره ، ب س.
(١٢) بنعم ، ب م : بنعمة ، س.
(١٣) «بالبخل» : قرأ الأصحاب بفتح الباء والخاء ، والباقون بضم الباء وإسكان الخاء. البدور الزاهرة ، ٧٩.
(١٤) «بعملهم ، س م : بعلمهم ، ب. لعله اختصره من السمرقندي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٣٥٤.