(إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) [٣٣] أي شاهدا على إعطائكم إياهم نصيبهم وعلى عدم الإعطاء ، فيه ترغيب على الإعطاء وتهديد عن المنع.
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤))
قوله (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) نزل حين لطم سعد بن الربيع امرأته فجاءت إلى رسول الله فأمرها بالقصاص فرفع الله القصاص من ساعته (١) ، وقال النبي عليهالسلام : «ما أراد الله خير مما أردنا» (٢) ، أي الرجال مسلطون بالقيام على تأديب النساء (٣)(بِما فَضَّلَ اللهُ) أي بتفضيل الله (بَعْضَهُمْ) أي الرجال (عَلى بَعْضٍ) أي على النساء بالعقل والعلم والدين والتدبير والقوة والشدة في النفس والطبع (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي وبانفاقهم عليهن من مالهم من المهر والنفقة فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك (فَالصَّالِحاتُ) أي المحصنات بالدين (قانِتاتٌ) أي مطيعات لأزواجهن بما عليهن لهم من الحقوق (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) أي لغيب أزواجهن من الفروج وأموالهم (بِما حَفِظَ اللهُ) أي بحفظهن الله حيث أوصى عليهن (٤) في كتابه الأزواج بقوله (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ)(٥) الآية وغيرها ، وقيل : بوعد الله لهن الثواب العظيم على حفظ الغيب وإيعادهن بالعذاب الشديد على خيانتهن لأزواجهن (٦) ، ف «ما» مصدرية (وَاللَّاتِي تَخافُونَ) أي تعلمون (نُشُوزَهُنَّ) أي عصيانهن لأزواجهن (فَعِظُوهُنَّ) أي أنصحوهن وخوفوهن الله (وَاهْجُرُوهُنَّ) أي باعدوهن إن (٧) لم يرجعن عن النشوز (فِي الْمَضاجِعِ) أي المراقد بمعنى لا تدخلوهن تحت اللحاف أو هو كناية عن عدم الجماع بهن أو المراد الاعتزال عن فراشها إلى فراش آخر (وَاضْرِبُوهُنَّ) إن لم ينفع الوعظ فيهن مع الهجران ضربا غير شديد ويجتنب الضارب الوجه وكسر العظم (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا) أي لا تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي طريقا وعلة إلى ضربهن ظلما ، وتوبوا عليهن ولا تنظروا إلى ما وقع منهن من الإباء والنشوز ، فانه أعطف لهن (٨)(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا) أي أعلى عليكم قدرة منكم عليهن (كَبِيراً) [٣٤] أي أعظم حكما عليكم منكم عليهن ، فاحذروه واعفوا عنهن إذا رجعن ، لأنكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ، ثم تتوبون (٩) فيتوب عليكم فأنتم أحق بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجعتم ، روي عن النبي عليهالسلام : أنه رأى أبا مسعود وقد رفع سوطا على غلام له ليضربه فصاح به أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه فرمى السوط وأعتق الغلام (١٠).
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥))
قوله (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) أمر للحكام والإضافة كاضافة مكر الليل اتساعا ، أصله شقاقا بينهما ، أي إن علمتم خلافا بين الزوجين ولا تدرون من قبل أيهما يقع النشوز (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ) أي أهل الزوج (وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) أي أهل الزوجة ، والحكم رجل عدل له عقل وتمييز يصلح للإنصاف ، وخص الحكم بالأهل ، لأن الأقارب أعرف ببواطن (١١) أحوالهم وأطلب للصلاح بينهم وأنصح لهم وأسكن لنفوسهم ، لأن
__________________
(١) عن مقاتل ، انظر الواحدي ، ١٢٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٧.
(٢) انظر البغوي ، ٢ / ٥٧. ولم اعثر عليه في كتب الأحاديث الممعتبرة التي راجعتها.
(٣) النساء ، ب م : نسائهم ، س.
(٤) عليهن ، ب م : ـ س.
(٥) النساء (٤) ، ٢٠.
(٦) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ١ / ٢٤٤.
(٧) إن ، ب س : إذا ، م.
(٨) الإباء والنشوز فانه أعطف لهن ، ب م : البألس والنشوز فانه عطف لهن ، س.
(٩) تتوبون ، ب س : يتوبون ، م.
(١٠) وهذا منقول عن الكشاف ، ١ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.
(١١) ببواطن ، ب م : بواطن ، س.