كَرِيماً) [٣١] أي في الجنة ، بفتح الميم اسم مكان أو مصدر ، وبضمها (١) كذلك ، قال عليهالسلام : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» (٢).
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢))
قوله (٣)(وَلا تَتَمَنَّوْا) نزل نهيا عن الحسد (٤) ، أي لا يتمن (٥) أحد منكم (ما فَضَّلَ اللهُ) أي رجح (بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) بالأنعام عليه من المال وغيره من زهرة الدنيا ، يعني لا يتمن (٦) رجل مال أخيه ولا امرأته أو دابته أو جاهه ، فان تفضيل الله صادر عن حكمة ومصلحة ، فمن تمنى (٧) ما قدر له فقد أساء الظن بالله ، ثم قال في ترك الحسد وطلب الفضل من الله (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي حظهن مما عملوا في الدنيا من الخير والشر (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي ولهن حظ مما عملن أيضا فلا يجازى أحد إلا بعمله ، ولا يعاقب إلا به ، وقيل : نزلت الآية في أم سلمة رضي الله عنها حيث قالت ليت الجهاد كتب على النساء (٨) ، وقيل : إن الرجال قالوا إن الله فضلنا على النساء في الدنيا ، فجعل لنا سهمين ولهن سهما ، ونرجوا أن يكون لنا أجران في الأعمال فنزلت (٩) ، ثم قال (وَسْئَلُوا اللهَ) أي شيئا بتحقيق الهمزة (مِنْ فَضْلِهِ) أي من رزقه ، يعني لا تحاسدوا ، بل اطلبوا أن يتفضل (١٠) الله عليكم بشيء من خيري (١١) الدنيا والآخرة ، وقرئ وسلوا بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على السين تخفيفا (١٢)(إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [٣٢] فيما يصلح لكل واحد من الرجال والنساء.
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣))
(وَلِكُلٍّ) بتنوين العوض من المحذوف ، أي ولكل مال بعد موت صاحبه (جَعَلْنا مَوالِيَ) جمع مولى ، أي وراثا ليرثوا (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) و «من» لبيان كل مال ، والموالي هم أصحاب الفروض والعصبات وغيرهما من الوراث ، ويجوز أن يكون المعنى ولكل أحد جعلنا موالي ، أي وراثا مما ترك ، ف «من» يتعلق ب «موالي» ، وضمير (تَرَكَ) يرجع إلى «كل» ، ثم فسر «الموالي» بقوله (الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) على تقدير من هم قبله ، قوله (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) وقرئ «عقدت» بالتخفيف (١٣) ، نزل تأكيدا لعقد الموالاة الثابت في الجاهلية ، فانهم كانوا يتحالفون فيها فيكون للحليف السدس (١٤) ، أي الذين عاهدت أيديكم ، نسب العقد إلى اليمين ، لأن الرجل كان يمسح يد معاهده عند المعاهدة ، والموصول مبتدأ ، خيره (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي حضهم من الميراث ، ثم نسخ الميراث بقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(١٥) ، وبقيت النصرة والهبة والنصيحة
__________________
(١) «مدخلا» : قرأ المدنيان بفتح الميم ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٧٨.
(٢) أخرجه مسلم ، الطهارة ، ١٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٥٤.
(٣) قوله ، ب س : ـ م.
(٤) لعل المصنف اختصره من السمرقندي ، ١ / ٣٥٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٥.
(٥) لا يتمن ، ب س : لا يتمني ، م.
(٦) لا يتمن ، ب س : لا تمني ، م.
(٧) تمنى ، ب م : تمن ، س.
(٨) عن مجاهد ، انظر الواحدي ، ١٢٦ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٠.
(٩) عن قتادة والسدي ، انظر الواحدي ، ١٢٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٣٥٠.
(١٠) أن يتفضل ، ب م : أن تتفضل ، س.
(١١) خيري ، ب س : خير ، م.
(١٢) «واسألوا» : قرأ المكي والكسائي وخلف عن نفسه بنقل حركة الهمزة إلي السين مع حذف الهمزة فيصير النطق بسين مفتوحة وبعدها اللام المضمومة ، وكذلك حمزة وقفا ، والباقون باسكان السين وبعدها همزة مفتوحة وبعد الهمزة اللام المضمومة. البدور الزاهرة ، ٧٨.
(١٣) «عقدت» : قرأ الكوفيون بغير ألف بعد العين ، والباقون باثباتها. البدور الزاهرة ، ٧٨.
(١٤) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٥٧.
(١٥) الأنفال (٨) ، ٧٥ ؛ والأحزاب (٣٣) ، ٦ ؛ انظر قتادة (كتباب الناسخ والمنسوخ) ، ٣٩ ـ ٤٠ ؛ والسمرقندي ، ١ / ٣٥١ (عن مجاهد) ؛ والنحاس ، ٥٠١ ـ ١٠٧ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٧ (عن سعيد بن المسيب) ؛ وابن الجوزي ، ٢٤.